للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأمن الطريق عند الضرورة ثم قال الكاسانى: أما الذي يخص النساء أن يكون مع المرأة زوجها أو محرم لها والمحرم هو أن يكون ممن لا يجوز له نكاحها على التأبيد إما بالقرابة أو الرضاع أو لأن الحرمة المؤبدة تزيل في الخلوة فإن لم يوجد أحدهما لا يجب عليها الحج بدليل ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ألا لا تحجن امرأة إلا ومعها محرم. ولأنها إذا لم يكن معها زوج ولا محرم لا يؤمن عليها إذ النساء لحم على وضم (١) إلا مازب عنه وقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (٢) لا تتناول النساء حال عدم الزواج والمحرم لأن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها فتحتاج إلى من يركبها وينزلها ولا يجوز ذلك لغير الزوج والمحرم فلم تكن مستطيعة في هذه الحالة فلا يتناولها النص فإن امتتنع الزوج أو المحرم عن الخروج فلا يجبرانه على الخروج ولو امتنع من الخروج لإرادة زاد وراحلة هل يلزمها ذلك ذكر القدورى في شرحه مختصر الكرفى أنه يلزمها ذلك ويجب عليها الحج وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوى أنه لا يلزمها ذلك ولا يجب الحج عليها وجه ما ذكره القدورى أن المحرم أو الزوج من ضرورات حجها بمنزلة الزاد والراحلة إذ لا يمكنها الحج بدونه كما لا يمكنها الحج بدون الزاد والراحلة ولا يمكن إلزام ذلك الزوج أو المحرم من ماله نفسه فيلزمها ذلك كما يلزمها الزاد والراحلة لنفسها ووجه ما ذكره القاضي أن هذا من شرائط وجوب الحج عليها ولا يجب على الإنسان تحصيل شرط الوجوب بل إن وجد الشرط وجب وإلا فلا. ألا ترى أن الفقير لا يلزمه تحصيل الزاد والراحلة فيجب عليه الحج ولهذا قالوا في المرأة التي لا زوج لها ولا محرم أنه لا يجب عليها أن تتزوج من يحج بها كذا هذا ولو كان معها محرم فلها أن تخرج مع المحرم في حجة الفرض من غير إذن زوجها عند الحنفية.

وجاء في حاشية ابن عابدين على الدر المختار (٣) أنه اختلف في سقوط الحج إذا لم يكن بد من ركوب البحر فقيل يسقط وقال الكرمانى إن كان الغالب فيه السلامة من موضع جرت العادة بركوبه يجب وإلا فلا وهو الأصح قال في الفتح والذي يظهر أنه يعتبر مع غلبة السلامة عدم غلبة الخوف حتى لو غلب لوقوع النهب والغلبة من المحاربين مرارًا أو سمعوا أن طائفة تعرضت للطريق ولها شوكة والناس يستضعفون أنفسهم عنهم لا يجب وما أفتى به الرازى من سقوطه عن أهل بغداد وقول الاسكافى في سنة ست وثلاثين وستمائة لا أقول إنه فرض في زماننا وقول الثلجى ليس على أهل خراسان منذ كذا كذا سنة حج إنما كان وقت غلبة النهب والخوف في الطريق ثم زال ولله تعالى المنعة.

وقال السيد أبو السعود إن قتل بعض الحجاج في كل عام أو في غالب الأعوام عذر وحينئذ فلا تكون السلامة غالبة. قال ابن عابدين فيه نظر فإن غلبة السلامة ليس المراد بها لكل واحد بل


(١) الوضم: محركة ما وقيت به اللحم والأرض من خشب وحصير. وتركهم لى على وضم أوقعهم فذللهم وأوجعهم ترتيب القاموس. المحيط جـ ٤ ص ٥٦٤ مادة وضم.
(٢) الآية رقم ٩٧ من سورة آل عمران.
(٣) حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأبصار جـ ٢ ص ١٩٨ طبع دار سعادات بالقاهرة طبعة أولى سنة ١٣٢٤ هـ.