عندنا وكان إسماعيل بن حماد رحمه الله تعالى يقول ليس للطالب أن يلازمه وبه أخذ الشافعي رحمه الله لأنه منظر بإنظار الله تعالى فهو بمنزلة ما لو أجله الخصم أو أبرأه منه كما لا يلازمه هناك فكذلك لا يلازمه هنا ولكنا نستدل بما روى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - اشترى من أعرابى بعيرًا بثمن مؤجل فلما حل الأجل طالبه الإعرابى فقال: ليس عندنا شئ فقال الإعرابى: واغدراه فهمّ به الصحابة رضى الله تعالى عليهم فقال - صلى الله عليه وسلم - دعوه فإن لصاحب الحق اليد واللسان والمراد باللسان التقاضى وباليد الملازمة ولأن قضاء الدين مستحق على المديون من كسبه وماله فكما أنه إذا كان له مال كان للطالب أن يطالبه بقضاء الدين منه فكذلك إذا كان له كسب كان له أن يطالبه بقضاء الدين من كسبه وذلك إنما يتحقق بالملازمة حتى إذا فضل من كسبه شئ عن نفقته أخذه بدينه ولسنا نعنى بهذه الملازمة أن يقعده في موضع فإن ذلك حبس ولكن لا يمنعه من التصرف بل يدور معه حيثما دار، وإن كان الرجل غنيا لم يخرجه القاضي من السجن أبدا حتى يؤدى النفقة والدين لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته ولأنه حال بين صاحب الحق وبين حقه مع قدرته على إيفائه فيجازى بمثله وذلك بالحيلولة بينه وبين نفسه وتصرفه حتى يوفى ما عليه وإن كان له مال حاضر آخذ القاضي الدراهم والدنانير من ماله وأدى منها النفقه والدين لأن صاحب الحق إذا ظفر بجنس حقه كان له أن يأخذه فللقاضى أن يعينه على ذلك أيضا وكذلك إذا ظفر بطعامه في النفقة لأنه عين ما عليه من الحق والمرأة تتمكن من أخذه إذا قدرت عليه فيعينها القاضي على ذلك، ولا يبيع القاضي عروضه في النفقة والدين في قول أبى حنيقة رحمه الله تعالى وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ببيع ذلك كله وهو بناء على مسألة الحجر فإن عند أبى حنيفه رحمه الله تعالى القاضي لا يحجر على المدين بسبب الدين، وبيع المال عليه نوع حجر فلا يفعله القاضي. وعندهما القاضي يحجر عليه بسبب الدين فيبيع عليه ماله واستدلا في ذلك بما روى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - حجر على معاذ رضى الله تعالى عنه وباع عليه ماله وقسم ثمنه على غرمائه بالحصص، ولأبى حنيفة: ما روى أن رجلا من جهينة أعتق جزءا من عبد بينه وبين آخر فحبسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى باع غنيمة له وأدى ضمان نصيب شريكه ومعلوم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان قد علم بيساره حين ألزمه بضمان العتق ثم اشتغل بحبسه ولم يبع عليه ماله فلو كان ذلك جائزا لاشتغل به ثم قال صاحب المبسوط (١) وإذا كان لرجل نسوة فرضت النفقة لهن عليه بحسب الكفاية فإن كانت إحداهن كتابية أو: أمة قد بوأها مولاها معه بيتا فرض عليه لكل واحدة منهن ما يكفيها ولا تزاد الحرة المسلمة على الأمة والذمية شيئا لأن النفقة مشروعة للكفاية وهذا لايختلف باختلاف الدين ولا باختلاف الحال في الرق والحزية فإن فرض ذلك وهو ميسر وعلم القاضي ذلك منه أمرهن بالاستدانة عليه ففى هذا يعتدل النظر من الجانبين وإن كان الزوج غائبا فقد كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا: يأمرهن بالاستدانة عليه إذا كان يعلم النكاح بينه وبينهن وهو قول زفر رحمه الله تعالى كما يفعل ذلك عند حضرته ثم رجع فقال لا يأمر بذلك وهو قولهما لأن فيه قضاء على الغائب وليس له ذلك وإن أمرهن بالاستدانة فلم يجدن ذلك لم يفرق بينه وبينهن
(١) المرجع السابق جـ ٥ ص ١٩٠ - ١٩١ نفس المطبعة المتقدمة.