للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كالمقبوض على سوم الشراء، ودليلنا أنه لم يوجد من المستعير سبب وجوب الضمان فلا يجب عليه الضمان كالوديعة والإجارة وإنما قلنا ذلك لأن الضمان لا يجب على المرء بدون فعله وفعله الموجود منه ظاهرا هو العقد والقبض وكل واحد منهما لا يصلح سببا لوجوب الضمان أما العقد فلأنه عقد تبرع المنفعة تمليكا أو إباحة على اختلاف الأصلين وأما القبض فلوجهين أحدهما أن قبض مال الغير بغير إذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان فبالإذن أولى وهذا لأن قبض مال الغير بغير إذنه هو إثبات اليد على مال الغير وحفظه وصيانته عن الهلاك وهذا إحسان في حق المالك قال الله تبارك وتعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} (١) وقال تبارك وتعالى: {ما على المحسنين من سبيل} (٢)، دل على أن قبض مال الغير بغير إذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان فمع الإذن أولى، والوجه الثاني أن القبض المأذون فيه لا يكون تعديا لأنه لا يفوت يد المالك ولا ضمان إلا على المتعدى قال الله تبارك وتعالى: {فلا عدوان إلا على الظالمين} (٣) بخلاف قبض الغضب وأما الاستدلال بضمان الرد. قلنا: إن وجب عليه رد العين حال قيامها لم يجب عليه رد القيمة حال هلاكها وقوله: قيمتها معناه. قلنا ممنوع وهذا لأن القيمة هي الدراهم والدنانير. والدراهم والدنانير عين أخرى لها صورة ومعنى غير العين الأولى فالعجز عن رد أحد العينين لم يوجب رد العين الأخرى وفى باب النصب لا يجب عليه ضمان القيمة بهذا الطريق بل بطريق آخر وهو إتلاف المغصوب معنى لما علم وهنا لم يوجد حتى لو وجد يجب الضمان ثم نقول: إنما وجب عليه ضمان الرد لأن العقد متى انتهى بانتهاء المدة أو بالطلب بقيت العين في يده كالمغصوب والمغصوب مضمون الرد حال قيامه ومضمون القيمة حال هلاكه وعندنا إذا ملكت في تلك الحالة ضمن، وأما قوله: قبض مال الغير لنفسه فنعم لكن قبض مال الغير لنفسه بغير إذنه لا يصلح سببا لوجوب الضمان لما ذكرنا فمع الإذن أولى، والمقبوض على سوم الشراء غير مضمون بالقبض بل بالعقد بطريق التعاطى بشرط الخيار الثابت دلالة لما علم ولا حجة للشافعى رحمه الله تعالى في حديث صفوان لأن الرواية قد اختلفت فقد روى أنه هرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليه فأمنه وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد حنينا فقال: هل عندك شئ من السلاح فقال: عارية أو غصبا فقال عليه الصلاة والسلام: عارية فأعاره ولم يذكر فيه الضمان والحادثة حادثة واحدة مرة واحدة فلا يكون الثابت إلا إحداهما فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج مع إنه إن ثبت فيحتمل ضمان الرد وبه نقول فلا يحمل على ضمان الغير مع الاحتمال، يؤيد ما قلنا ما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: العارية مؤداة. ثم قال صاحب البدائع (٤) وأما بيان تغير حالها فالذى يغير حال المستعار من الأمانة إلى الضمان


(١) الآية رقم ٦٠ من سورة الرحمن.
(٢) الآية رقم ٩٣ من سورة البقرة.
(٣) الآية رقم ١٩٣ من سورة البقرة.
(٤) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاسانى في جـ ٦ ص ٢١٨ الطبعة السابقة ص ٢١٨ الطبع.