للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء في المذهب (١): هل يجب أخذ اللقطة روى المزنى أنه قال لا أحب تركها وقال في الأم لا يجوز تركها فمن أصحابنا من قال فيه قولان أحدهما لا يجب لأنها أمانة فلم يجب أخذها كالوديعة والثانى يجب لما روى ابن مسعود أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال حرمة مال المؤمن كحرمة دمه ولو خاف على نفسه لوجب حفظها فكذلك إذا خاف على ماله وقال أبو العباس وأبو إسحاق وغيرهما إن كانت في موضع لا يخاف عليها لأمانة أهله لم يجب عليه لأن غيره يقوم مقامه في حفظها وإن كان في موضع يخاف عليها لقلة أمانة أهله وجب لأن غيره لا يقوم مقامه فتعين عليه وحمل القولين على هذين الحالين فإن تركها ولم يأخذها لم يضمن لأن المال إنما يضمن باليد أو بالإتلاف ولم يوجد شئ من ذلك ولهذا لا يضمن الوديعة إذا ترك أخذها كاللقطة ثم قال (٢): وإذا أخذ اللقطة فهو بالخيار بين أن يمسكها ويتطوع بالإنفاق عليها ويعرفها حولا ثم يملكها وبين أن يبيعها ويحفظ ثمنها ويعرفها ثم يملك الثمن وبين أن يأكلها ويغرم بدلها ويعرفها، فإن أراد البيع ولم يقدر على الحاكم باعها بنفسه لأنه موضع ضرورة وإن قدر على الحاكم ففيه وجهان أحدهما ألا يبيع إلا بإذنه لأن الحاكم له ولاية ولا ولاية للملتقط والثانى يبيع من غير إذنه لأنه قد قام مقام المالك فقام مقامه في البيع وإن أكل فهل يلزمه أن يعزل البدل مدة التصريف فيه وجهان أحدهما لا يلزمه لأن كل حالة جاز أن يستبيح أكل اللقطة لم يلزمه عزل البدل كما بعد الحول ولأنه إذا لم يعزل كان البدل قرضا في ذمته وإذا عزله كان أمانة والقرض أحوط من الأمانة والثانى يلزمه عزل البدل لأنه أشبه بأحكام اللقطة فإن من حكم اللقطة أن تكون أمانة قبل الحول وقرضا بعد الحول فيصير البدل كاللقطة إن شاء حفظها له وإن شاء عرفها ثم تملك ثم قال: (٣) وإن وجد المحجور عليه لسفه أو جنون أو صغر لقطة صح التقاطه لأنه كسب بفعل فصح من المحجور عليه كالاصطياد وعلى الناظر في أمره أن ينتزعها منه يعرفها لأن اللقطة في مدة التعريف أمانة والمحجور عليه ليس من أهل الأمانة إن كان ممن يجوز الاقتراض عليه تملكها له وإن كان ممن لا يجوز الاقتراض عليه لم يتملك له لأن التملك بالالتقاط كالتملك بالاقتراض في ضمان البدل وإن وجد الفاسق لقطة لم يأخذها لأنه لا يؤمن أن لا يؤدى الأمانة فيها فإن التقطها ففيه قولان أحدهما لا تقر في يده وهو الصحيح لأن الملتقط قبل الحول كالولى في حق الصغير والفاسق ليس من أهل الولاية في المال والثانى أن تقر في يده لأنه كسب بفعل فأقر في يده كالصيد فعلى هذا يضم إليه من يشرف عليه وهل يجوز أن ينفرد بالتعريف فيه قولان أحدهما يجوز لأن التعريف لا يفتقر إلى الأمانة والثانى لا يجوز حتى يكون معه من يشرف عليه لأنه لا يؤمن أن يفرط في التعريف فإذا عرفه ملكه لأنه من أهل التملك.


(١) المذهب للشيخ الإمام الزاهد الموفق أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى ج ١ ص ٤٢٩ في كتاب بأسفله النظم المستعذب في شرح قريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع بمطبعة دار إحياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة ١٢٩٥ هـ.
(٢) المرجع السابق جـ ١ ص ٤٢١، ص ٤٣٢ نفس الطبعة المتقدمة.
(٣) المرجع السابق جـ ١ ص ٤٣٣، ص ٤٣٤ نفس الطبعة المتقدمة.