للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوكالة إلا ضربا من ضروب الإنابة وبناء على ذلك ذهب الشافعية إلى أن الإنابة لا تجوز في العبادات سواء كانت مما تتوقف صحتها على النية أم لا ذلك لأن مقصود الشارع منها امتحان المكلف المطلوبة منه نفسه وذلك مما لا يتحقق بفعل غيره كنائب له غير أن من أفعال العبادة ما لا يقصد منه هذا الاختيار وإنما يقصد منه مجرد الترك والبعد وهذا النوع تجوز فيه الإنابة كإزالة النجاسة من الثوب أو من الأعضاء وكذلك لا تجوز الإنابة فيما تكون المصلحة منه راجعة إلى فاعله كالإيمان وكذا الإيلاء واللعان وكل ما يعد يمينا كالنذر والتعليق بالطلاق والعتق والتدبير سواء أكان تعليقا عاريا عن حث أو منع أم لا ومنه التعليق بطلوع الشمس ونحو ذلك كما لا تجوز الإنابة فيما هو معصية كالظهار في الأصح لأنه منكر وإجازة الإنابة إقرار لها غير أن ما يكون الإثم فيه لمعنى خارج عنه تجوز فيه الإنابة كالبيع وقت صلاة الجمعة والطلاق في الحيض والضابط في ذلك أن ما كان مباحا في الأصل وحرم لعارض صحت الإنابة فيه وما كان محرما وممتنعا بأصل الشرع لا تجوز الإنابة فيه وتصح الإنابة في الأفعال العادية من الحمل وإصلاح الآلات والبناء والهدم ورد الودائع والعاريات والمغصوبات والالتقاط وإيفاء الديون وقبضها وإقباض الأموال وسائر العقود من بيع وهبة وسلم ورهن ونكاح وفسخها وفى الدعوى والجواب عنها وفى تملك المباحات كإحياء الأراضى الموات والاصطياد والاحتطاب في الأظهر فيثبت الملك للمستنيب إذا قصد النائب وذلك بخلاف ما إذا لم يقصده ومقابل الأظهر المنع قياسا على الاغتنام ولأن سبب الملك في ذلك وضع اليد وقد وجب من النائب فثبت أثره له ولا ينصرف عنه بالنية وتجوز الإنابة في استيفاء القصاص والحدود وقيل لا تجوز الإنابة في استيفائها إلا بحضرة المستنيب لاحتمال عفوه ولا تجوز الإنابة في الشهادة ولا في الإقرار كأنبتك لتفى عنى لفلان بكذا في الأصح أما الشهادة فلأنها قائمة على الاستيثاق والشاهد وضبطه وذلك خاص به ولبنائها على التعبد وأما الإقرار فلأنه إخبار عن حق فلا يقبل الإنابة وإنما قبلت الشهادة على الشهادة لأن الأصل فيها جعل بمنزلة الحاكم المؤدى عنه عند حاكم آخر لما في الشهادة من الولاية. واستثنى من عدم جواز الإنابة في العبادات الحج والعمرة عند العجز لورود الأثر بذلك ويتدرج فيها توابعها ومنها ركعتا الطواف كما سيأتي بيان ذلك وكذلك الإنابة في تفرقة الزكاة والصدقة وأموال الكفارة والنذر وذبح الأضحية والهدى (١). وخلاصة ذلك جواز الإنابة في كل ما لا يعد عبادة من الأفعال وجوازها في الأفعال العبادية المالية المحضة التي لا تفتقر إلى نية من مباشرها بالنيابة اكتفاء بنية المستنيب كتوزيع الصدقات وذبح الأضحية ونحو ذلك إذ يكتفى فيها بنية النيابة عمن فعلت له أو بقيام النائب فيها مقام من استنابه في الأفعال التي لا تتحقق المصلحة منها لغير مباشرها كالإيمان وفى المعاصى وعدم جوازها في العبادة المحضة إلا ما جاءت الآثار بجوازها فيها كالحج.


(١) نهاية المحتاج ج ٥ ص ٢٢ وما بعدها.