كان واجبًا بالعقد والعقد لم ينفسخ بالموت بل انتهى نهايته لأنه عقد للعمر فتنتهى نهايته عند انتهاء العمر وإذا انتهى العمر يتأكد فيما مضى ويتقرر بمنزلة الصوم يتقرر بمجئ الليل فيتقرر الواجب ولأن كل المهر لما وجب بنفس العقد صار دينًا عليه والموت لم يعرف مسقطًا للدين في أصول الشرع فلا يسقط شئ منه بالموت كسائر الديون وكذا إذا قتل أحدهما سواء كان قتله أجنبى أو قتل أحدهما صاحبه أو قتل الزوج نفسه، فأما إذا قتلت المرأة نفسها فإن كانت حرة لا يسقط عن الزوج شئ من المهر بل يتأكد المهر عندنا وعند زفر والشافعى يسقط المهر ووجه قولهما أن المرأة بالقتل فوتت على الزوج حقه في المبدل فيسقط حقها في البدل كما إذا ارتدت قبل الدخول أو قبلت ابن زوجها أو قبلت أباه ودليلنا أن القتل إنما يصير تفويتًا للحق عند زهوق الروح لأنه إنما يصير قتلًا في حق المحل عند ذلك والمهر في تلك الحالة ملك الورثة فلا يحتمل السقوط بفعلها كما إذا قتلها زوجها أو أجنبى بخلاف الردة والتقبيل لأن المهر وقت التقبيل والردة كان ملكها فاحتمل السقوط بفعلها كما إذا قتلها زوجها أو قتل المولى أمته سقط مهرها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يسقط المهر بل يتأكد ووجه قولهما أن الموت مؤكد للمهر وقد وجد الموت لأن المقتول ميت بأجله فيتأكد بالموت كما إذا قتلها أجنبى أو قتلها زوجها وكالحرة إذا قتلت نفسها ولأن الموت إنما أكد المهر لأنه ينتهى به النكاح والشيء وإذا انتهى نهايته يتقرر وهذا المعنى موجود في القتل لأنه ينتهى به النكاح فيتقرر به المبدل وتقرر المبدل يوجب تقرير البدل ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن من له البدل فوت المبدل على صاحبه وتفويت المبدل على صاحبه يوجب سقوط البدل كالبائع إذا أتلف المبيع قبل القبض أنه يسقط الثمن لما قلنا كذا هذا ولا شك أنه وجد تفويت المبدل ممن يستحق البدل لأن المستحق للمبدل هو المولى وقد أخرج المبدل عن كونه مملوكًا للزوج والدليل على أن هذا يوجب سقوط البدل أن الزوج لا يرضى بملك البدل عليه بعد فوات المبدل عن ملكه فكان إيفاء البدل عليه بعد زوال المبدل عن ملكه إضرارًا به والأصل في الضرر أن لا يكون فكان إقدام المولى على تفويت المبدل عن ملك الزوج والحالة هذه إسقاطًا للبدل دلالة فصار كما لو أسقطه نصا بالإبراء بخلاف الحرة إذا قتلت نفسها لأنها وقت فوات المبدل لم تكن مستحقة للبدل لانتقاله إلى الورثة على ما بينا والإنسان لا يملك إسقاط حق غيره وها هنا بخلافه ولأن المهر وقت فوات المبدل على الزوج ملك المولى وحقه والإنسان يملك التصرف في ملك نفسه استيفاء وإسقاطًا فكان محتملًا للسقوط بتفويت المبدل دلالة كما كان محتملًا للسقوط بالإسقاط نصًا بالإبراء وهو الجواب عما إذا قتلها زوجها أو أجنبى لأنه لا حق للأجنبى ولا للزوج في مهرها فلا يحتمل السقوط بإسقاطهما ولهذا لا يحتمل السقوط بإسقاطهما نصًا فكيف يحتمل السقوط من طريق الدلالة والدليل على التفرقة بين هذه الفصول أن قتل الحرة نفسها لا يتعلق به حكم من أحكام الدنيا فصار كموتها حتف أنفها حتى