للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التتابع كما لو أفطر لغير عذر، فأما الحامل والمرضع فإن أفطرتا خوفا على أنفسهما فهما كالمريض، وإن أفطرتا خوفا على ولديهما ففيهما وجهان: أحدهما: لا ينقطع التتابع. اختاره أبو الخطاب لأنه فطر أبيح لهما بسبب لا يتعلق باختيارهما فلم ينقطع التتابع كما لو أفطرتا خوفًا على أنفسهما، والثانى: ينقطع؛ لأن الخوف على غيرهما، ولذلك يلزمهما الفدية مع القضاء، وإن أفطر لجنون أو إغماء لم ينقطع التتابع؛ لأنه عذر لا صنع له فيه فهو كالحيض. وإن أفطر لسفر مبيح للفطر فكلام أحمد يحتمل الأمرين وأظهرهما أنه لا يقطع التتابع؛ فإنه قال في رواية الأثر: كان السفر غير المرض وما ينبغى أن يكون أوكد من رمضان. وظاهر هذا أنه لا يقطع التتابع وهذا قول الحسن. ويحتمل أن ينقطع به التتابع، ووجه الأول: أنه فطر لعذر مبيح للفطر فلم ينقطع به التتابع كإفطار المرأة بالحيض وفارق الفطر لغير عذر فإنه لايباح، وإن أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أفطر، ويتخرج في انقطاع التتابع وجهان أحدهما: لا ينقطع؛ لأنه فطر لعذر. والثانى: يقطع التتابع؛ لأنه فعل أخطأ فيه، فأشبه ما لوظن أنه قد أتم الشهرين فبان خلافه. وإن أفطر ناسيًا لوجوب التتابع أو جاهلًا به أو ظنًا منه أنه قد أتم الشهرين انقطع التتابع، لأنه أفطر لجهله فقطع التتابع كما لوظن أن الواجب شهر واحد، وإن أكره على الأكل أو الشرب بأن أُوجر الطعام أو الشراب لم يفطر. وإن أكل خوفًا فقال القاضي: لا يفطر. ولم يذكر غير ذلك. وفيه وجه آخر أنه يفطر، فعلى ذلك هل يقطع التتابع؟ فيه وجهان. أحدهما: لا يقطعه؛ لأنه عذر مبيح للفطر فأشبه بالمرض. والثانى: ينقطع التتابع؛ لأنه أفطر بفعله لعذر نادر.

وإن أفطر في أثناء الشهرين لغير عذر أو قطع التتابع بصوم نذر أو قضاء أو تطوع أو كفارة أخرى لزمه استئناف الشهرين؛ لأنه أخل بالتتابع المشروط ويقع صومه عما نواه؛ لأن هذا الزمان ليس بمستحق متعين لكفارة ولهذا يجوز صومهما في غيره بخلاف شهر رمضان فإنه متعين لا يصلح لغيره، وإذا كان عليه صوم نذر غير معين أخِّره إلى فراغه من الكفارة، وإن كان متعينًا في وقت بعينه أخر الكفارة عنه أو قدمها عليه إن أمكن، وإن كان أيامًّا من كل شهر كيوم خميس أو أيام البيض قدم الكفارة عليه وقضاه بعدها؛ لأنه لو وفى بنذره لانقطع التتابع ولزمه الاستئناف فيفضى إلى أن لا يتمكن من التكفير. والنذر يمكن قضاؤه فيكون هذا عذرًا في تأخيره كالمرض.

وإن أصابها في ليالى الصوم أفسد ما مضى من صيامه وابتدأ الشهرين؛ لأن الله تعالى قال: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (١) فأمر بها خاليين عن وطء ولم يأت بهما على ما أمر فلم يجزئه كما لو وطئ نهارًا؛ ولأنه تحريم للوطء لا يختص النهار فاستوى فيه الليل والنهار كالاعتكاف، وروى الأثرم عن أحمد أن التتابع لا ينقطع بهذا ويبنى؛ لأنه وطء لا يبطل الصوم فلا يوجب الاستئناف كوطء غيرها، ولأن التتابع في الصيام عبارة عن إتباع صوم يوم للذى قبله


(١) سورة المجادلة: من الآية ٤.