للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو العباس بن سريج: لا يلحقه. لأنا حكمنا بانقضاء العدة وإباحتها للأزواج وما حكم به لا يجوز نقضه لأمر محتمل؛ وهذا خطأ لأنه يمكن أن يكون منه. والنسب إذا أمكن إثباته لم يجز نفيه؛ ولهذا إذا أتت بولد بعد العقد لستة أشهر لحقه. وإن كان الأصل عدم الوطء وبراءة الرحم؛ فإن وضعت لأكثر من أربع سنين نظر فإن كان الطلاق بائنًا انتفى عنه بغير لعان؛ لأن العلوق حادث بعد زوال الفراش؛ وإن كان رجعيًا ففيه قولان: أحدهما ينتفى عنه بغير لعان؛ لأنها حرمت عليه بالطلاق تحريم المبتوتة فصار كما لو طلقها طلاقًا بائنًا. والقول الثاني: يلحقه؛ لأنها في حكم الزوجات في السكنى والنفقة والطلاق والظهار والإيلاء.

فإذا قلنا بهذا فإلى متى يلحقه ولدها؟ فيه وجهان. قال أبو إسحاق: يلحقه أبدًا؛ لأن العدة يجوز أن تمتد؛ لأن أكثر الطهر لا حَدَّ له، وَمن أصحابنا من يلحقه إلى أربع سنين من وقت انقضاء العدة؛ وهو الصحيح؛ لأن العدة إذا انقضت بانت وصارت كالمبتوتة؛ وإن كانت له زوجة يلحقه ولدها ووطئها رجل بشبهة وادعى الزوج أن الولد من الواطئ عرض معهما على القافة ولا يلاعن لنفيه؛ لأنه يمكن نفيه بغير لعان وهو القافة؛ فلا يجوز نفيه باللعان؛ فإن لم تكن قافة أو كانت وأشكل عليها ترك حتى يبلغ السن الذي ينتسب فيه إلى أحدهما، فإن بلغ وانتسب إلى الواطئ بشبهة انتفى عن الزوج بغير لعان؛ وإن انتسب إلى الزوج لم ينتف عنه إلا باللعان؛ لأنه لا يمكن نفيه بغير اللعان فجاز نفيه باللعان.

وإن قال: زنى بك فلان وأنت مكرهة والولد منه؛ ففيه قولان: أحدهما لا يلاعن لنفيه؛ لأن أحدهما ليس بزانٍ فلم يلاعن لنفى الولد؛ كما لو وطئها رجل بشبهة وهى زانية. والثانى: أن له أن يلاعن؛ وهو الصحيح؛ لأنه نسب يلحقه من غير رضاه لا يمكن نفيه بغير اللعان فجاز نفيه باللعان. كما لو كانا زانيين. وإن أتت امرأته بولد فادعى الزوج أنه من زوج قبله وكان لها زوج قبله نظر فإن وضعته لأربع سنين فما دونها من طلاق الأول ولدون ستة أشهر من عقد الزوج الثاني فهو للأول؛ لأنه يمكن أن يكون منه؛ وينتفى عن الزوج بغير لعان؛ لأنه لا يمكن أن يكون منه؛ وإن وضعته لأكثر من أربع سنين من طلاق الأول ولأقل من ستة أشهر من عقد الزوج الثاني انتفى عنهما؛ لأنه لا يمكن أن يكون من واحد منهما.

وإن أتت امرأة بولد أسود وهما أبيضان؛ أو بولد أبيض وهما أسودان ففيه وجهان: أحدهما: أن له أن ينفيه. لما روى ابن عباس رضى الله عنهما - في حديث هلال بن أمية أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن جاءت به أورق جعدًا جماليا خدلج الساقين سابع الإليتين فهو للذى رميت به". فجاءت به أورق جمدًا جماليًا خدلج الساقين، سابغ الإليتين؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا الأيمان لكان لى ولها شأن. (١) فجعل الشبه دليلًا على أنه ليس منه.

والثانى: أنه لا يجوز نفيه؛ لما روى أبو هريرة - رضى الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - من بنى فزارة (٢)


(١) الحديث أصله في صحيح البخارى: في كتاب تفسير القرآن، باب {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ … } .. إلخ
(٢) صحيح البخارى في موضعين: كتاب الطلاق، باب إذا عرض ينفى الولد. وكتاب المحاربين. باب ما جاء في التعريض.
وصحيح مسلم، كتاب اللعان. حديث رقم (١٥٠٠).