للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في إذنها في تزويجها قبل الدخول، فالقول قولها في قول أكثر الفقهاء، والدليل على ذلك أنها منكرة الإذن، والقول قول المنكر، ولأنه يدعى أنها استؤذنت وسمعت وصمتت والأصل عدم ذلك، وإن اختلفا بعد الدخول، فقال القاضي: فالقول قول الزوج؛ لأن التمكين من الوطء دليل على الإذن وصحة النكاح، وكان الظاهر معه. وهل تُستَحلف المرأة إذا قلنا القول قولها، قال القاضي: قياس المذهب أنه لا يمين عليها كما لو ادعى أنه زوجها فأنكرته، وذلك لأنه اختلافُ في زوجية فلا يثبتُ بالنكول ولا بحلفِ المدعى معه، كما لو ادعى الزوج أصل التزويج فأنكرته. فإن كانت المرأة ادعت أنها أذنت فأنكر ورثة الزوج فالقول قولها؛ لأنه اختلاف في أمرٍ يختص بها صادر من جهتها، فالقول قولها فيه. كما لو اختلفوا في نيتها، فيما تُعتَبر فيه نيتها، ولأنها تدعى صحة العقد، وهم يدعون فساده فالظاهر معها (١).

وجاء في موضع آخر: أنه إن ادعى رجلان كل منهما يقول: إننى السابق بالعقد، ولا بينة لهما لم يُقبل قولهما، وإن أقرت المرأة لأحدهما لم يُقَبلْ إقرارُها، نص عليه أحمد؛ وذلك لأن الخصمَ في ذلك هو الزوج الأخير فلم يُقبل إقرارُها في إبطال حقه كما لو أقرت عليه بطلاق، وإن ادعى الزوجان على المرأة أنها تعلم السابقَ منهما فأنكرت لم تُستحلفْ لذلك.

وإن عُلِم أن العقدين وقعا معًا لم يَسبِقْ أحدهما الآخر فهما باطلان لا حاجة إلى

فسخهما؛ لأنهما باطلان من أصلهما. ولا مهر لها على واحدٍ منهما ولا ميراث لها منهما، ولا يرثها واحدٌ منهما كذلك (٢).

وإن ادعى كلُ واحدٍ منهما أنه السابق فأقرت لأحدهما ثم فُرّق بينهما وجب المهر على المقر له دون صاحبه؛ لإقراره لها به وإقرارها ببراءة صاحبه؛ وإن ماتا ورثت المقر له دون صاحبه كذلك، وإن ماتت هي قبلهما احتمل أن يرثها المقر له كما ترثُه. واحتمل أن لا يُقبل إقرارها له. وإن لم تقر لأحدهما إلا بعد موته فهو كما لو أقرت في حياته، وليس لورثة كل واحدٍ منهما الإنكار لاستحقاقها؛ لأن موروثه قد أقر لها بدعواه صحة نكاحها وسبقه بالعقد عليها، وإن لم تُقر لواحد منهما أُقرِعَ بينهما. وكان لها ميراث من تَقعُ عليه القرعةُ، وإن كان أحدهما قد أصابها، فإن كان هو المُقَر له أو كانت لم تقر لواحد منهما فلها المسمى؛ لأنه مُقِر لها به وهى لا تدعى سواه، وإن كانت مقرة للآخر فهى تدعى مهر المثل وهو يقر لها بالمسمى، وإن اصطلحا فلا كلام، وإن كان مهر المثل أكثر حُلِّف على الزائد وسقط، فإن كان المسمى أكثر فهو مقر لها بالزيادة وهى تنكرها فلا تستحقها، وإن ادعى زوجية امرأة ابتداء فأقرت له بذلك ثبت النكاح وتوارثا، وقال أبو الخطاب: في ذلك روايتان، والصحيح أنه مقبول؛ لأنها رشيدة أقرت بعقد يلزمها حكمه فقبل إقرارها، كما لو أقرت أن وليها باع أمتها قبل بلوغها وأنكر أبوها تزويجها لم يقبل إنكاره؛ لأن الحق على غيره وقد أقر به،


(١) المغني والشرح الكبير: ٧/ ٣٨٩.
(٢) المغني والشرح الكبير: ٧/ ٤٠٧.