للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرى الأحناف أنه إذا نفى الرجل حبل امرأته فقال: هو من زنا؛ فلا لعان بينهما، ولا حد قبل الوضع؛ لأن نفى الحبل ليس بشئ؛ لأنه لا يدرى لعله ريح، واللعان في قذف الزوج زوجته بمنزلة الحد في قذف الأجنبية، فلا يجوز إقامته مع الشبهة، ثم عند أبى حنيفة: إذا جاءت بالولد يثبت نسبه من الزوج، ولا يجرى اللعان بينهما بذلك النفى.

وعند أبى يوسف ومحمد - رحمهما الله - إذا جاء بالولد لأكثر من ستة أشهر منذ نفى فكذلك، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر لاعن ولزم الولد أمه؛ لأنا تيقنا أن الحبل كان موجودًا حين نفاه عن نفسه، فكان هذا ونفيه بعد الولادة سواء (١).

وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن واحد، فأقر بالأول ونفى الثاني، لزمه الولدان ويلاعنها. فإن نفى الأول وأقر الثاني لزماه ويحد؛ لأن إقراره بنسب أحدهما إقرار بنسبهما، فإنهما توأم لا ينفصل أحدهما عن الآخر في حكم النسب لعلمنا أنهما خلقا من ماء واحد.

فإذا أقر بالأول كان هذا كإقراره بهما، ثم في نفى الثاني هو قاذف لها بالزنا فيلاعنها.

وإن نفى الأول فقد صار قاذقًا لها بالزنا وحين أقر بالثانى فقد أكذب نفسه فيلزمه الحد، ونسب الولدين ثابت منه؛ لأن إقراره بأحدهما كإقراره بهما.

وإن نفاهما ثم مات أحدهما قبل اللعان فإنه يلاعن علي الحى منها وهما ولداه؛ لأن الذي مات قد لزمه نسبه، ولكن لا يمتنع جريان اللعان بينهما؛ لأنه قدفها بالزنا، وليس من ضرورة اللعان قطع النسب، والنسب إنما لزمه حكمًا فلا يكون ذلك بمنزلة إكذابه نفسه في منع جريان اللعان بينهما.

وكذلك لو كانت ولدت أحدهما ميتًا فنفاهما؛ لأن المولود ميتًا ثابت النسب منه، حتى لو وضرب إنسان بطنها للزمته لغة، وكان للوالد منه الميراث، وإذا لزمه نسب أحدهما لزمه نسبهما.

وإن ولدت ولدًا فنفاه ولاعن به، ثم ولدت من الغد ولدًا آخر لزمه الولدان جميعًا واللعان ماضٍ؛ لأن نسب الذي كان في البطن لم يثبت فيه حكم الحاكم؛ لما فيه من إلزام الحكم على الحمل وذلك ممتنع، ولا يجوز أن يتوقف على الانفصال، فإذا انفصل كان ثابت النسب منه، وهما توأم؛ إذ ليس فيهما مدة حبل تام، ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر، ولأن اعتبار جانب الذي كان منفصلًا وقت اللعان يوجبه نفى النسب، واعتبار جانب الآخر يثبت النسب، وإنما يحتاط لإثبات النسب لا لنفيه.

فإن قال: هما ابناى كان صادقًا ولا حد عليه؛ لأن نسبهما منه يثبت شرعًا، فهو بهذا اللفظ يخبر عما يلزمه شرعًا فلا يكون إكذابًا لنفسه.

وإن قال: ليسا بابنى، كانا ابنيه؛ لأن نسبهما لزمه حكمًا فلا يملك نفيه ولا حد عليه.

ولو قال: كذبتُ في اللعان وفيما قذفتُها به كان عليه الحد؛ لأنه صرح بإكذابه نفسه، وذلك يوجب الحدَّ عليه (٢).


(١) المبسوط: ٧/ ٤٤ وما بعدها.
(٢) السابق: ٧/ ٤٦ وما بعدها.