للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حجة للمدعى. وأصالة عدم كون النكول عنها حجة للمنكر. وفيه أن شيئًا من هذه الوجوه لا يفى بإثبات كفاية النكول في الحكم بثبوت حق المدعى مع أن الأصل عدمه. فلابد من الأخذ بالقدر المتيقن، وهو النكول من المنكر، والحلف من المدعى بعد الرد عليه. والثانى قوله عليه الصلاة والسلام: "البينة على المدعى، واليمين على المدعى عليه" (١) بدعوى أن مقتضى التفضيل القاطع للشركة اختصاصُ اليمين بالمنكر، فلا يجوز من المدعى، وفيه أنه لبيان الوظيقة الأولية، فلا ينافى ثبوتها للمدعى بالرد من المنكر أو الحاكم إذا اقتضته الأدلة …

واستدل للقول الثاني بأصالة عدم ثبوت الحق على المنكر بمجرد النكول، بل القدر المعلوم ثبوته به، وبالحلف من المدعى بعد الرد عليه للإجماع عليه حينئذ، وبأن الواجب على المنكر الحلف أو الردّ على المدعى للأخبار الدالة على التخيير بينهما، وإذا امتنع عن الأمرين رد الحاكم من باب الولاية على الممتنع بالأخبار المستفيضة الدالة على أن القضاء بين الناس إنما هو بالبينات والأيمان، وقد يستدل بصحيحة عبيد بن زرارة "في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعى، قال: يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق" فإن لم يفعل فلا حقّ عليه بناء على قراءة يُردُّ بالبناء بصيغة المجهول لكنه خلاف الظاهر، بل هو بصيغة المعلوم. والمراد ردّ المنكر لا قلّ من الاحتمال. وبنحوه يجاب عن الاستدلال بصحيحة هشام: "يرد اليمين على المدعى"، وعلى تقدير قراءة بالمجهول فالمراد ردّ المنكر لا غيره من الحاكم أو غيره (٢). وإذا رجع المنكر الناكل عن نكوله بعد حكم الحاكم عليه بالحق بسبب النكول أو بعد الردّ على المدعى وحلفه، وأراد أن يحلف لإسقاط الحق فالظاهر عدم الإشكال في عدم الالتفات إليه بثبوت الحق عليه (٣). والأخبار الدالة على أن عليه اليمين منصرفة عن هذه الصورة.

وأما إذا رجع عن نكولهِ بعد تحققه قبل حكم الحاكم عليه بثبوت الحق ففى الالتفات إليه وعدمه قولان، أقواهما الأول لعدم ثبوت الحق عليه قبل حكم الحاكم، وإن تحقق موجبه ودعوى أنه قد وجب على الحاكم الحكم عليه بعد تحقق الموجب فيستصحب من حكم النكول ما إذا كان باقيا عليه (٤).


(١) سبق تخريجه.
(٢) العروة الوثقى ٣/ ٦٦.
(٣) العروة الوثقى ٣/ ٦٧.
(٤) السابق: ٣/ ٦٨.