للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حد التعليم فى الكلب عندنا فدلت الآية على أن كون الكلب معلما شرط‍ لاباحة أكل صيده، فلا يباح أكل صيد غير المعلم، واذا ثبت هذا الشرط‍ فى الكلب بالنص ثبت فى كل ما هو فى معناه من كل ذى ناب من السباع كالفهد وغيره مما يحتمل التعلم بدلالة النص، لان فعل الكلب انما يضاف الى المرسل بالتعليم اذ المعلم هو الذى يعمل لصاحبه فيأخذ لصاحبه ويمسك على صاحبه فكان فعله مضافا الى صاحبه، فأما غير المعلم فانما يعمل لنفسه لا لصاحبه فكان فعله مضافا اليه لا الى من أرسله لذلك شرط‍ لصحة ارساله أن يكون معلما، وانما يكون الكلب معلما اذا كان بحيث اذا أرسل اتبع الصيد واذا أخذه أمسكه على صاحبه ولا يأكل منه شيئا لقوله عز وجل {(تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)} (١) ففى الآية اشارة الى أن حد تعليم الكلب وما هو فى معناه ما قلنا وهو الامساك على صاحبه وترك الأكل منه لأنه شرط‍ التعليم ثم أباح أكل ما أمسك علينا فكان هذا اشارة الى أن التعليم أن يمسك علينا الصيد ولا يأكل منه، ولما روى عن عدى بن حاتم الطائى أنه قال: قلت يا رسول الله انا قوم نتصيد بهذه الكلاب والبزاة فما يجل لنا منها؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن ما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم مما علمتموهن من كلب أو باز وذكرتم اسم الله عليه، قلت: فان قتل قال عليه الصلاة والسلام: اذا قتله ولم يأكل منه فكل فانما أمسك عليك وان أكل فلا تأكل فانما أمسك على نفسه فقلت: يا رسول الله: أرأيت أن خالط‍ كلابنا كلاب أخرى قال عليه الصلاة والسلام: ان خالطت كلابكم كلاب أخرى فلا تأكل فانك انما ذكرت اسم الله تعالى على كلبك ولم تذكره على كلب غيرك، ثم ان هذا ما يتفق مع العقل لأن أخذ الصيد وقتله مضاف الى المرسل وانما الكلب آلة الأخذ والقتل وانما يكون مضافا اليه اذا أمسك لصاحبه لا لنفسه لأن العامل لنفسه يكون عمله مضافا اليه لا الى غيره والامساك على صاحبه أن يترك الاكل منه، ولأن تعليم الكلب ونحوه هو تبديل طبعه وفطامه عن العادة المألوفة ولا يتحقق ذلك الا بامساك الصيد لصاحبه وترك الاكل منه لأن الكلب ونحوه من السباع من طباعها أنها اذا أخذت الصيد فانما تأخذه لأنفسها ولا تصبر على أن لا تتناول منه فاذا أخذ واحد منها الصيد ولم يتناول منه دل أنه ترك عادته حيث أمسك لصاحبه ولم يأكل (٢) منه، فلو أرسل رجل كلبه على صيد وهو


(١) الآية رقم (٤) من سورة المائدة.
(٢) بدائع الصنائع فى تريب الشرائع للكاسانى ج ٥ ص ٥٢، ٥٣ الطبعة الاولى سنة ١٣٢٧ هـ‍ طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية المصرية