للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عرفا وبنى الفقهاء كثيرا من أحكام العقود على ذلك.

وقد أشار (١) الغزالى ما نقل عن ابن عباس من القول بصحة الاستثناء المنفصل ثم قال: ولعله لا يصح عنه النقل اذ لا يليق ذلك بمنصبه، وان صح فلعله أراد به اذا نوى الاستثناء ولم يتلفظ‍ به ثم أظهر نيته بعده وتلفظ‍ به فيدين بينه وبين الله تعالى.

وفى الأحكام للآمدى أن بعض أصحاب مالك ذهبوا الى جواز تأخير الاستثناء لفظا لكن مع أضمار الاستثناء متصلا ويكون المتكلم به مدينا فيما بينه وبين الله تعالى ولعله مذهب (٢) ابن عباس.

وذهب بعض الفقهاء الى صحة الاستثناء المنفصل فى كتاب الله تعالى دون غيره استنادا الى قول الله تعالى:

{(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ٣)} فان قوله سبحانه: «غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} استثناء من - {الْقاعِدُونَ} ولم ينزل هذا الاستثناء مع الآية متصلا، وانما بعد مدة لما اشتكى عبد الله ابن أم مكتوم وغيره من أصحاب الأعذار من الصحابة رضوان الله عليهم من أنهم انما قعدوا عن الجهاد لعذر منعهم فلم يفضل الله عليهم المجاهدين ويحرمهم مما فضلهم به عليهم من الدرجة والأجر؟ فنزل هذا الاستثناء واستثنى أصحاب الاعذار من التفضيل والحرمان.

وقد أجيب بأن المراد بالقاعدين من المؤمنين فى الآية - القاعدون عن واجب الجهاد بعد وجوبه عليهم وذلك معلوم بالضرورة اذ المتبادر من القعود - القعود عن أداء الواجب فلا يشمل أصحاب الأعذار اذ لم يجب عليهم الجهاد ولم يتقاعسوا عنه فلا محل لاستثنائهم - وقوله غير أولى الضرر ليس استثناء بل هو بيان تقرير للتأكد لقطع احتمال المجاز أو الخصوص - وبيان التقرير يجوز فيه الانفصال والتأخير بالاتفاق (٤)، وقد استدل الجمهور على أن الاتصال شرط‍ فى صحة الاستثناء بما يأتى:

أولا: ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف على شئ فرأى غيره خيرا منه فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه، وفى رواية «فليكفر


(١) المستصفى ج‍ ٢ ص ١٦٥، ١٦٦ الطبعة السابقة.
(٢) الاحكام للامدى ج‍ ٢ ص ٤٢١ الطبعة السابقة.
(٣) الاية رقم ٩٥ من سورة النساء.
(٤) كشف الاسرار للبزدوى ج‍ ٣ ص ٨٣٧، ٨٣٨ ومسلم الثبوت ح‍ ١ ص ٣٢١ الطبعة السابقة.