للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن يمينه وليأت الذى هو خير» فلو كان الاستثناء المنفصل صحيحا لأرشد النبى صلى الله عليه وسلم اليه بدلا من الحنث والتكفير لانه طريق مخلص للحالف عند تأمل الخبر فى البر وعدم الحنث وهو أسهل وأيسر من التكفير والنبى صلى الله عليه وسلم انما يقصد التيسير والتسهيل على المسلمين فحيث لم يقصد الى الاستثناء مع ذلك دل على عدم صحته منفصلا.

ثانيا: أن أهل اللغة لا يعدون الكلام المشتمل على الاستثناء المنفصل المتراخى كلاما منتظما ولا يعدونه من كلام العرب، فلو قال: لفلان على عشرة دراهم، ثم قال بعد شهر أو سنة، ألا درهما، أو قال:

رأيت بنى تميم، ثم قال بعد شهر أو سنة - ألا زيدا، فانه لا يعد استثناء ولا كلاما صحيحا. كالخبر والشرط‍ حين يقول الشخص - رأيت زيدا - ثم يقول بعد شهر - قائم - فان أهل اللغة لا يعدونه بذلك مخبرا عن زيد بشئ، وحين يقول السيد لعبده - أكرم زيدا ثم يقول بعد شهر - ان دخل دارى - فانهم لا يعدون ذلك شرطا.

ثالثا: أنه لو قيل بصحة الاستثناء المنفصل لما علم صدق صادق ولا كذب كاذب ولا حصل وثوق بيمين ولا بوعد ولا بوعيد ولا حصل حزم بصحة عقد ولا لزوم معاملة أصلا .. لامكان الاستثناء المنفصل ولو بعد حين وابطال الكلام الأول والتحلل مما تضمنه ..

ولا يخفى ما فى ذلك من التلاعب وابطال التصرفات الشرعية وضياع الحقوق وترتيب الاضرار - الامر الذى لا تقره الشريعة ولا يجيزه الدين.

واستدل القائلون بصحة الاستثناء المنفصل المتراخى بما يأتى:

أولا: بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والله لأغزون قريشا) ثم سكت وقال بعده - ان شاء الله - ولولا صحة الاستثناء بعد السكوت لما فعله النبى صلى الله عليه وسلم لكونه مقتدى به.

وبما روى عنه صلى الله عليه وسلم أن اليهود سألته عن عدة أصحاب الكهف وعن مدة لبثهم فيه فقال:

«غدا أجيبكم» ولم يقل ان شاء الله، فتأخر عنه الوحى بضعة عشر يوما ثم نزل قوله تعالى: «قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ١، ما يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَلِيلٌ، فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً، وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ» فقال عليه السلام - ان شاء الله بطريق الالحاق بخبره الأول ولو لم يكن ذلك صحيحا لما فعله.


(١) الاية رقم ٢٢ من سورة الكهف.