ثانيا: أن ابن عباس ترجمان القرآن ومن أفصح فصحاء العرب، وقد نقل عنه القول بصحة الاستثناء المنفصل ولو لم يكن صحيحا لما قال به.
ثالثا: أن الاستثناء بيان وتخصيص للكلام الأول فجاز تأخيره كالنسخ وأدلة التخصيص المنفصلة.
وأجاب الجمهور عن أدلة المخالفين بأن الحديث الأول محمول على السكوت الذى لا يخل بالاتصال الحكمى الذى أشير اليه فيما سبق فلا حجة فيه، أما الحديث الثانى فان قوله عليه السلام بعد نزول الوحى عقب الانقطاع:«ان شاء الله» ليس عائدا الى الخبر الأول «أجيبكم غدا» بل هو عائد الى ذكر ربه اذا نسى الذى نزل به الوحى بعد الخبر. والتقدير أذكر ربى اذا نسيت ان شاء الله كما يقول القائل لغيره - افعل كذا - فيقول المأمور - ان شاء الله - أى افعل ان شاء الله.
وأما النقل عن ابن عباس فانه كان يرى صحة اضمار الاستثناء ويدين المكلف بذلك فيما بينه وبين الله تعالى وأن تأخر الاستثناء لفظا كما أشار اليه الغزالى والآمدى فيما نقل عنهما سابقا، وهذا ليس من موضوع البحث وان صح النقل فى الموضوع فهو محجوج باتفاق أهل اللغة على عدم صحته ممن سواه وبالأدلة الاخرى التى سبقت.
أما القياس على النسخ وأدلة التخصيص المنفصلة فهو قياس فى اللغة والاتفاق على أنه لا قياس فى اللغة، ثم هو منقوض بالخبر والشرط المتفق عليهما كما أشير (١) اليه.
الشرط الثانى: أن يكون المستثنى ثابتا بصدر الكلام ويتناوله لفظ المستثنى منه قصدا وحقيقة ليمكن جعل الكلام تكلما بالباقى، فاذا ثبت المستثنى بالكلام ضرورة وحكما فلا يصح الاستثناء - لأنه تصرف لفظى فيقتصر عمله على ما يتناوله اللفظ ولا يعمل فيما ثبت بطريق الضرورة والحكم فلو وكل شخص شخصا بالخصومة واستثنى الاقرار بأن قال: وكلتك بمخاصمة زيد غير جائز الاقرار علىّ أو على أن لا تقر على - كان هذا الاستثناء باطلا عند أبى يوسف رحمه الله تعالى لأن الاقرار لا يثبت بصدر الكلام قصدا وحقيقة أو لا يتناوله لفظ الخصومة لانها عبارة عن المنازعة والاقرار مسالمة وتسليم بالحق المدعى وانما يدخل الاقرار فى مضمون عقد الوكالة حكما ضرورة أن الوكيل قد قام مقام الموكل فيملك ما كان يملكه فيصير الاقرار ثابتا للوكيل حكما للوكالة لا مقصودا بصدر الكلام فلا يصح استثناؤه بقوله، غير جائز الاقرار، ولا ابطاله بطريق المعارضة