مجاز فيه وليس بحقيقة لان الاستثناء مأخوذ من ثنيت عنان الفرس اذا عطفته وصرفته عن وجهته ولا عطف ولا صرف الا فى المتصل اذ الجملة الاولى كانت شاملة ومتناوله للمستثنى بالحكم الذى يثبته الكلام فجاء الاستثناء وصرف أول الكلام عن اثبات الحكم فى المستثنى وأخرجه منه أما فى المنقطع فالجملة الاولى باقية على حالها لم تتغير لان المستثنى لم يكن داخلا فى المستثنى منه على تقدير عدم الاستثناء .. ولان الفهم يسبق عند سماع اللفظ الى المتصل من غير توقف على قرينة، ويتوقف فى المنقطع على قرينة .. وهذا آية الحقيقة والمجاز.
والمتصل هو ما كان المستثنى فيه بعضا من المستثنى منه وداخلا تحت متناول لفظه وأريد بالاستثناء أخراجه ومنع اثبات حكم المستثنى منه فيه .. والمنقطع هو ما كان المستثنى فيه غير داخل فى المستثنى منه ولم يرد بالاستثناء أخراجه من الحكم وأنما أريد اثبات حكم آخر له - سواء كان من جنس المستثنى منه كقوله جاء القوم ألا زيدا وزيدا ليس من القوم أو كان من غير جنسه كقوله تعالى «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ» فأن ابليس استثنى من الملائكة، وهو ليس من جنسهم أذ هو من الجن كما قال تعالى فى آية أخرى {(إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)} وقد ذهب بعض الحنفية ومنهم القاضى الامام أبو زيد والامام فخر الاسلام الى أن الاستثناء فى قوله تعالى: {(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)} استثناء منقطع اذ هو استثناء من الجملة الاخيرة وهى قوله تعالى:
{(وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)} بناء على رأيهم فى الاستثناء الواقع بعد جمل متعاطفة بالواو من أنه يرجع الى الجملة الاخيرة والمستثنى فيه غير داخل فى المستثنى منه لأن التائب من قامت به التوبة وليس فيه وصف الفسق والفاسق من قام به وصف الفسق وليس فيه وصف التوبة، لئلا يكون التائب فاسقا، فلا يكون المستثنى هنا داخلا تحت صدر الكلام المستثنى منه ولا يكون متناولا له لولا الاستثناء، فيكون منقطعا - وبوجه آخر أن التائبين وأن كانوا داخلين فى قوله وأولئك هم الفاسقون على أساس أنه أشارة الى القاذفين الذين يرمون المحصنات والتائبون قد قذفوا ورموا المحصنات فهم داخلون فى المستثنى منه ولكن لم يقصد بالاستثناء اخراجهم كما هو الاصل فى الاستثناء الحقيقى المتصل، وانما قصد اثبات حكم آخر لهم وهو أن التائب لا يبقى فاسقا. وذهب أكثر الحنفية الى أن الاستثناء فى الآية متصل، اذ المعنى، وأولئك أى الذين يرمون المحصنات هم الفاسقون أى محكوم عليهم بالفسق ألا الذين تابوا من هؤلاء القاذفين الرامين للمحصنات فانهم غير محكوم عليهم بالفسق لان التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والفسق