للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخصال الثلاثة، وكقوله تعالى «وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ ١ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاّ قَلِيلاً)} فأن الاستثناء يبعد رجوعه الى ما يليه اذ يؤدى الى أن لا يتبع الشيطان بعض من لم يشمله فضل الله ورحمته، ومن ثم قيل أنه راجع الى قوله - لعلمه الذين يستنبطونه منهم - ألا قليلا منهم لا يعلمونه لتقصير وأهمال وغلط‍ أو الى قوله - اذاعوا به - وكقوله تعالى {(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا)} فأن الاستثناء فيه راجع الى الجملة الاخيرة على ما أشير اليه سابقا وكما فى آية القذف - فأن الاستثناء فيها راجع الى الجملة الاخيرة باتفاق وغير راجع الى الجملة الاولى باتفاق، ومختلف فى رجوعه الى الجملة الثانية على ما سبق أيضا وقد انبنى على اختلاف الائمة فى مرجع الاستثناء فى آية القذف اختلافهم فى قبول شهادة المحدود فى القذف اذا تاب وعمل عملا صالحا - فلما قال الحنفية أن الاستثناء مختص بالجملة الاخيرة وهى قوله تعالى - {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ -} ولا يرجع الى قوله تعالى - {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً} - قالوا لا تقبل شهادة المحدود فى قذف ولو تاب وعمل صالحا، لعموم هذا النص وعدم خروج من تاب وعمل صالحا من حكمه وهو النهى عن قبول شهادته بالاستثناء .. ولما قال الشافعية وكذا المالكية والحنابلة: أن الاصل فى الاستثناء المتعقب جملا متعاطفة أن يرجع الى جميع الجمل - قالوا أنه يرجع فى هذه الآية الى الجملة الثانية - ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا - ويخرج من حكمها وهو عدم قبول شهادة التائب المصلح - فتقبل شهادته كما يرجع الى الاخيرة وأخرج من حكمها وهو الفسق هذا التائب، ولولا أن الدليل منع من رجوعه الى الجملة الاولى لرجع اليها وأخرج التائب المصلح من حكمها وهو وجوب الجلد، وهذا الدليل هو أن الجلد حق الادمى وهو المقذوف فلا يسقط‍ بالتوبة. ومن ثم قالوا أن شهادة المحدود فى قذف تقبل اذا تاب وأصلح.

ويقول الحنفية أن الدليل الذى منع من رجوع الاستثناء الى الجملة الاولى هو الذى يمنع من رجوعه الى الجملة الثانية، اذ أهدار شهادة المحدود فى القذف تعتبر من تتمة الحد الواجب ايقاعه عليه وهو مناسب لاعتباره من الحد لان الحد شرع للزجر، وهذا أشد فى الزجر من الجلد عند أصحاب المروءة، وجريمة القذف تحصل باللسان فكان من المناسب أن يهدر كلام هذا اللسان فى الشهادة كالسرقة لما كانت


(١) الآية رقم ٨٣ من سورة النساء.