واحتج - الحنفية بما يأتى:
أولا: أن الاستثناء اذا تكرر كان الاستثناء الثانى عائدا الى الجملة الاستثنائية لا الى الجملة الاولى فدل على اختصاص الاستثناء بالجملة الاخيرة دون المتقدمة، وذلك كما لو قال: له على عشرة ألا أربعة ألا اثنين) فأن الاستثناء الثانى يختص بالاربعة دون العشرة.
ثانيا: أن الاستثناء دعت اليه الحاجة وهو لا يستقل بنفسه فاقتضت الضرورة والحاجة أن يعود الى غيره - وهذه الضرورة تندفع بعوده الى ما يليه فلا حاجة لعوده الى غير الذى يليه، وانما رجح الذى يليه على غيره لانه أقرب اليه من غيره كالضمير بعد متعدد يعود الى أقرب مذكور.
ثالثا: أن شرط صحة الاستثناء أن يكون متصلا بالمستثنى منه، والجملة الاخيرة فاصلة بينه وبين ما سبقها من الجمل فلا يصح رجوعه اليها.
رابعا: أن حكم الجملة الاولى ظاهر فى الثبوت عموما، ورفعه عن البعض بالاستثناء مشكوك فيه، اذ يحتمل الاختصاص بالجملة الاخيرة فلا يرفع من حكم الاولى شيئا ويحتمل عوده للكل فيرفع من حكمها بمقداره، فكان الرفع مشكوكا فيه، فلا يعارض الظاهر وهو ثبوت حكم الاولى عموما ولا يرجع اليها.
واحتج القائلون بالاشتراك بما يأتى:
أولا: أنه يحسن الاستفهام من المتكلم بالاستثناء عقب الجمل المتعاطفة عن أرادته عوده للكل أو للاخيرة، ولو كان حقيقة فى أحد هذه المحامل دون غيره لما حسن الاستفهام.
ثانيا: أنه يصح اطلاق الاستثناء موضوع الكلام وأرادة عوده الى الجملة الاخيرة والى الجمل كلها والى بعضها دون البعض باجماع أهل اللغة والاصل فى الاطلاق الحقيقة والمعانى مختلفة فكان مشتركا لفظيا.
واحتج القائلون بالوقف بأنه اذا بطل التعميم والتخصيص لان كلا منهما تحكم ورأينا العرب تستعمل كلا منهما - ولا يمكن الحكم بأن أحدهما حقيقة والاخر مجاز - وجب التوقف حتما ألا أن يثبت نقل متواتر من أهل اللغة أنه حقيقة فى أحدهما مجاز فى الاخر.
وقد ورد فى القرآن رجوع الاستثناء الى الكل والى الجملة الاخيرة والى بعض الجمل السابقة دون بعض - كقوله تعالى: {(فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ ١ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ .. )} فأن قوله - فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام - راجع الى
(١) الاية رقم ٨٩ من سورة المائدة.