على أساس من رعاية مصالح الناس وتيسير حياتهم غير الابواب والعقود التى عرضنا لبيان أحكام الاستثناء فيها على شئ من البسط والتفصيل اقتضتهما طبيعة الموضوع .. غير أن الاستثناء فى هذه الابواب والعقود الأخرى لا يأخذ نفس الوضع والطابع الذى أخذه وتميز به فى الابواب التى عرضنا لها من حيث استقلال البحث وتفصيله وتقسيمه وترتيبه وأحكامه وآثاره ومن حيث اضطراده واحتلاله مكانا فى المذاهب المختلفة يختلف ضيقا وسعة وأجمالا وتفصيلا وتفريعا وتطبيقا فقد يجرى الحديث عن الاستثناء فى الابواب والعقود الاخرى فى مسألة أو مسائل محدودة وفى بعض المذاهب دون البعض.
ففى باب الوصية يتحدث الحنفية عن الاستثناء فى مسألة من مسائلها وهى ما اذا أوصى بجارية حامل لشخص واستثنى حملها بأن قال: أوصيت بهذه الجارية لفلان الا حملها، فقالوا: تصح الوصية ويصح الاستثناء. فتنصب الوصية على الجارية وحدها دون الحمل وتستحق بمقتضى الوصية وطبقا لشروطها وأحكامها للموصى له. ويمنع الاستثناء دخول الحمل فيها فلا تشمله ولا يستحق بالوصية ويبقى على ملك الموصى كما كان قبل الوصية.
وانما يصح الاستثناء فى ذلك مع أن اسم الجارية المستثنى منه لا يتناول الحمل المستثنى بحسب الوضع ولا يندرج تحته بطريق القصد وانما يدخل فى الوصية عند الاطلاق وعدم ذكر الاستثناء تبعا لأمه لانه قبل الوضع جزء منها - وقد علمنا أن الاستثناء تصرف لفظى لا يرد الا على ما يتناوله لفظ المستثنى منه وعلى سبيل القصد لا على سبيل الاقتضاء والتضمن وانما صح الاستثناء مع ذلك باعتبار أن القصد منه هو تقرير ملك الموصى فى الحمل كما كان قبل الوصية .. ولان المقرر أنه يصح الايصاء بالحمل منفردا رغم احتمال عدم وجوده وما قد يكون فيه من غرر. لان الوصية ليس عقد معاوضة يترتب على الغرر فيه ضرر - فصح استثناؤه من الوصية لأن القاعدة المقررة عند الحنفية أن ما يجوز أفراده بعقد يصح استثناؤه من ذلك العقد.
ومثل ما ذكر ما لو أوصى بالجارية الحامل لشخص وأوصى بحملها لشخص آخر حيث تصح الوصية فى كل منهما ويستحق الموصى له فيهما ما أوصى له به.
اذ الوصية أخت الميراث والميراث يجرى فى الحمل فكذلك تجرى فيه الوصية:
بخلاف ما لو أوصى بجارية ألا خدمتها حيث لا يصح الاستثناء لأن الميراث لا يجرى فى الخدمة.
ولو وهب جارية ألا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء لان الاستثناء فى العقد بمنزلة الشرط الفاسد. وعقد الهبة لا