للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويتصل بهذا اتصالا قريبا ما أورده عبد العزيز البخارى (١): فى قوله. واعلم أن بعض النقاد حين طعن على أبى حنيفة وأصحابه رحمهم الله اذ يقولون استحسانا لا قياسا فى بعض الاحكام فى تركهم القياس بالاستحسان، فقالوا ان الاستحسان دليل لم يعرف عن أحد من حملة الشرع سوى أبى حنيفة وأصحابه بل هو قول بالتشهى فكان ترك القياس به تركا للحجة لاتباع هوى أو شهوة نفس فكان باطلا وقال عبد العزيز البخارى فى رده على النقاد ان القياس الذى تركه الحنفية بالاستحسان ان كان حجة شرعية فالحجة الشرعية حق وماذا بعد الحق الا الضلال وان كان باطلا فالباطل واجب الترك مع أن الحنفية قد ذكروا فى بعض المواضع أنهم يأخذون بالقياس ويتركون الاستحسان به فيقول فى بعض المواضع قياسا لا استحسانا - فكيف يجوزون الاخذ بالباطل والعمل به.

ثم قال ونقل عن الشافعى أيضا أنه بالغ فى انكار الاستحسان وقال من استحسن فقد شرع وانتهى البخارى بأن كل ذلك طعن من غير روية.

ثم نتطرق من هذا الى بيان وجهات نظر القائلين بالاستحسان ومخالفيهم من مصادرهم بادئين بوجهة نظر الحنفية فى قولهم به ومرادهم منه يقول عبد العزيز البخارى فى هذا المقام (٢). ان أبا حنيفة أجل قدرا وأشد ورعا من أن يقول فى الدين بالتشهى. وقال ان البزدوى عقد باب القياس والاستحسان ليبين أن كل واحد من القياس والاستحسان على نوعين وأن الاستحسان عند الحنفية أحد القياسين.

ثم قال ان أبا حنيفة اذا قال تركت الاستحسان أراد بذلك التنبيه على أن فيه علة سوى علة الاصل أو معنى آخر يوجب ذلك الحكم وأن الاحب أن يذهب اليه لكن لما لم يترجح عندى ما أخذته. ثم أورد أن المخالفين لا ينكرون على أبى حنيفة الاستحسان بالاثر أو بالاجماع أو بالضرورة لان ترك القياس بهذه الدلائل مستحسن بالاتفاق وانما انكروا عليه الاستحسان بالرأى فانه ترك للقياس بالتشهى على زعمهم. وأورد أن البزدوى دفع طعنهم بقوله (٣): انما الاستحسان الذى وقع التنازع فيه عند أصحابنا أحد القياسين وليس قسما آخر اخترعوه بالتشهى من غير دليل، ولا شك أن القياسين اذا تعارضا فى حادثة وجب ترجيح أحد القياسين ليعمل به اذا أمكن لكنه سمى بالاستحسان اشارة الى أنه الوجه الاول فى العمل به لترجحه على الاخر. ثم انتهى الى أن القياس متروك فى معارضة الاستحسان أصلا فان الاضعف يسقط‍ فى مقابلة الاقوى. ثم قال (٤): ان هذا هو الحكم فى كل معارضة فان الدليلين اذا تعارضا فظهر لاحدهما رجحان على الاخر وجب


(١) كشف الاسرار للبزدوى ج‍ ٤ ص ١١٢٣
(٢) كشف الاسرار ج‍ ٤ ص ١١٢٣
(٣) المرجع السابق ج‍ ٤ ص ١١٢٤.
(٤) ج‍ ٤ ص ١١٢٥