فلا يرهق اليه توقان الشهوة ولا حاجة الى تناسل بل يحتاج اليه لصلاح المعيشة بارتباط العشائر والتظاهر بالاصهار وأمور من هذا الجنس لا ضرورة اليها أما ما يجرى مجرى التتمة لهذه الرتبة فهو كقولنا لا تزوج الصغيرة الا من كفء، وبمهر مثل فانه أيضا مناسب ولكنه دون أصل الحاجة الى النكاح ولهذا اختلف العلماء فيه.
المرتبة الثالثة: ما لا يرجع الى ضرورة ولا حاجة، ولكن يقع لرفع التحسين والتزيين والتيسير للمزايا ورعاية أحسن المناهج فى العادات والمعاملات.
مثاله: سلب العبد أهلية الشهادة مع قبول فتواه وروايته من حيث أن العبد نازل القدر والرتبة بتسخير المالك اياه فلا يليق بمنصبه التصدى للشهادة.
أما سلب ولايته فهو من مرتبة الحاجات لان ذلك مناسب للمصلحة اذ ولاية الاطفال تستدعى استغراقا وفراغا، والعبد مستغرق بالخدمة فتفويض أمر الطفل اليه اضرار به.
أما الشهادة فتتفق أحيانا كالرواية والفتوى ولكن سلب منصب الشهادة لخسة قدرة ليس كسلب ذلك لسقوط الجمعة عنه.
ثم قال الغزالى (١): ان الواقع فى الرتبتين الاخيرتين «الحاجية والتحسينية» لا يجوز الحكم بمجرده ان لم يعتضد بشهادة أصل، الا أنه لا بعد فى أن يؤدى اليه اجتهاد مجتهد، وان لم يشهد الشرع بالرأى فهو كالاستحسان، فان اعتضد بأصل فذاك قياس.
أما الواقع فى رتبة الضرورات فلا بعد فى أن يؤدى اليه اجتهاد مجتهد وان لم يشهد له أصل معين، ومثل له بالكفار اذا تترسوا بجماعة من أسارى المسلمين، فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الاسلام وقتلوا الاسارى أيضا، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلما معصوما وهذا لا عهد به فى الشرع.
ثم قال: يجوز أن يقال ان هذا الاسير مقتول بكل حال فحفظ جميع المسلمين أقرب الى مقصود الشرع.
فهاهنا التفات الى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصودا للشرع لا بدليل واحد بل بأدلة خارجة عن الحصر، لكن تحصيل هذا المقصود بقتل من لم يذنب لم يشهد له أصل معين.
فهذا مثال مصلحة غير مأخوذة بطريق القياس على أصل معين وانقدح اعتبارها باعتبار ثلاثة أوصاف.