للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلا حكم، ولعل هذا غير واقع فى الشريعة، وأطال فى بيان ذلك.

ثم ان ترجحت احدى الجهتين على الاخرى فان الشاطبى ينته الى أن الجهة المرجوحة غير مقصودة الاعتبار شرعا والا لاجتمع الامر والنهى معا على شئ واحد وهو محال.

ثم انتقل الشاطبى (١) الى بيان أن المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة انما تعتبر من حيث الارتباط‍ بين شئون الدنيا والاخرى لا من حيث اهدار النفوس فى جلب مصالحها العادية أو درء مفاسدها كذلك وأورد فى الاستدلال على ذلك أن الشريعة انما جاءت لتخرج المكلفين من دواعى أهوائهم حتى يكونوا عبادا لله، وان المنافع والمضار عامتها أن تكون اضافية لا حقيقية أى أنها منافع أو مضار فى حال دون حال وبالنسبة لشخص دون شخص، وذلك يدل على أن المصالح والمفاسد لا تتبع الاهواء.

ثم انتقل الشاطبى الى بيان (٢) أن الكليات الثلاث فى المصلحة لا يضر تخلفها فى بعض الجزئيات لان الغالب الاكثرى يعتبر فى الشريعة اعتبار العام القطعى، فالكليات فى الاستقرائيات صحيحة وان تخلف عن مقتضاها بعض الجزئيات،

وأيضا فالجزئيات المتخلفة قد يكون تخلفها لحكم خارجة عن مقتضى الكلى فلا تكون داخلة تحته.

وانته (٣) فى هذا الى أنه لا اعتبار لمعارضة الجزئيات فى صحة وضع الكليات للمصالح، وأورد عدة مسائل تدور حول قاعدة أن تخلف بعض الجزئيات لا يطعن فى أن المعتبر هو الامر الكلى.

أما ابن القيم فيقول (٤): أن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد وبين ذلك من وجوه.

الاول: أن النبى صلّى الله عليه وسلّم شرع لامته ايجاب انكار المنكر، فاذا كان انكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض الى الله ورسوله فانه لا يجوز انكاره، ومن تأمل ما جرى عليه الاسلام فى الفتن الكبار والصغار رأى أنها من اضاعة هذا الاصل، وعدم الصبر على منكر، فطلب ازالته تولد عنه ما هو أكبر منه، واستدل أيضا بأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الايدى فى الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض الى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين وذكر عدة صور من هذا القبيل.


(١) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ٢٥.
(٢) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ٣٤.
(٣) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ٣٥.
(٤) اعلام الموقعين ج‍ ٣ ص ١٤.