للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان الضرورى قد يختل باختلال مكملاته كانت المحافظة عليها لاجله مطلوبة، ولانه اذا كانت زينة لا يظهر حسنها الا بها كان من الاحق عدم الاخلال بها.

ثم قال: وبهذا كله يظهر أن المقصود الاعظم فى المطالب الضرورية والحاجية والتحسينية المحافظة على الاول منها، ومن هنالك كان مراعى فى كل ملة.

ثم انتقل الى بيان أن المصالح المثبوتة فى هذه الدار ينظر فيها من جهتين: من جهة موقع الوجود، ومن جهة تعلق الخطاب الشرعى بها.

فأما النظر الاول فان المصالح الدنيوية من حيث هى موجودة هنا لا يتخلص كونها مصالح محضة لان تلك المصالح مشوبة بتكاليف ومشاق قلت أو كثرت تقترن بها أو تسبقها أو تلحقها، فان الامور المتعلقة بعيش الانسان لا تنال الا بكد وتعب، كما أن المفاسد الدنيوية ليست بمفاسد محضة. ثم قال (١): ان هذه الدار وضعت على الامتزاج بين الطرفين فمن رام استخلاص جهة فيها لم يقدر على ذلك، وفى الحديث حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات، واذا كان كذلك فالمصالح والمفاسد الراجعة الى الدنيا تفهم على مقتضى الغالب، فاذا كان الغالب جهة المصلحة فهى

المصلحة المفهومة عرفا، ولذلك كان الفعل ذو الوجهين منسوبا الى الجهة الراجحة فان رجحت المصلحة فمطلوب، واذا غلبت جهة المفسدة فمهروب منه.

وأما النظر فى المصالح من جهة تعلق الخطاب بها شرعا فالمصلحة اذا كانت هى الغالبة فى حكم الاعتبار فهى المقصودة شرعا ولتحصيلها وقع الطلب على العباد فان تبعها مفسدة أو مشقة فليست بمقصودة فى شرعية ذلك العمل، وكذلك المفسدة اذا كانت هى الغالبة فرفعها هو المقصود شرعا ولاجله وقع النهى.

ثم قال: (٢) فالحاصل أن المصالح المعتبرة شرعا هى خالصة غير مشوبة بشئ من المفاسد وان توهم أنها مشوبة فليس فى الحقيقة الشرعية كذلك. وأيد ذلك ببعض الامثلة.

ثم قال (٣): انه اذا كانت المصلحة أو المفسدة خارجة عن حكم الاعتياد وكانت بحيث لو انفردت لكانت مقصودة الاعتبار للشارع مثل أكل الميتة للمضطر وأكل النجاسات والخبائث اضطرارا، وقتل القاتل، وقطع القاطع، وكذلك سائر العقوبات فان ذلك لا يخلو اما أن تتساوى الجهتان، أو تترجح احداهما على الاخرى، فان تساوتا


(١) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ١٦.
(٢) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ١٧.
(٣) المرجع السابق ج‍ ٢ ص ٢٠.