هذه أصناف المفتين وهى خمسة، وكل صنف منها يشترط فيه حفظ المذهب وفقه النفس، فمن تصدى للفتيا وليس بهذه الصفة فقد باء بأمر عظيم.
وقد قطع امام الحرمين وغيره بأن الاصولى الماهر المتصرف فى الفقه لا يحل له الفتوى بمجرد ذلك ولو وقعت له واقعة لزمه أن يسأل عنها ويلتحق به المتصرف النظار البحاثه من أئمة الخلاف وفحول المناظرين، لانه ليس أهلا لادراك حكم الواقعة استقلالا، لقصور آلته ولا من مذهب امامه لعدم حفظه له على الوجه المعتبر.
فان قيل: من حفظ كتابا أو أكثر فى المذهب وهو قاصر لم يتصف بصفة أحد ممن سبق، ولم يجد العامى فى بلده غيره، هل له الرجوع الى قوله؟ فالجواب ان كان فى غير بلده مفت يجد السبيل اليه وجب التوصل اليه بحسب امكانه، فان تعذر ذكر مسألته للقاصر فان وجدها بعينها فى كتاب موثوق بصحته وهو ممن يقبل خبره نقل له حكمها بنصه وكان العامى فيها مقلدا صاحب المذهب.
قال أبو عمرو وهذا وجدته فى ضمن كلام بعضهم والدليل يعضده، وان لم يجدها مسطورة بعينها لم يقسها على مسطور عنده وان اعتقده من قياس لا فارق فانه قد يتوهم ذلك فى غير موضعه فان قيل: هل لمقلد أن يفتى بما هو مقلد فيه؟ قلنا: قطع أبو عبد الله الحليمى وأبو محمد الجوينى وأبو المحاسن الرويانى وغيرهم بتحريمه.
وقال القفال المروزى: يجوز.
قال أبو عمرو: قول من منعه معناه لا يذكره على صورة من يقوله من عند نفسه بل يضيفه الى امامه الذى قلده فعلى هذا من عددناه من المفتين المقلدين ليسوا مفتين حقيقة، لكن لما قاموا مقامهم وأدوا عنهم عدوا معهم، وسبيلهم أن يقولوا مثلا: مذهب الشافعى كذا أو نحو هذا، ومن ترك منهم الاضافة فهو اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح به ولا بأس بذلك.
وذكر صاحب الحاوى فى العامى اذا عرف حكم حادثة بناء على دليلها ثلاثة أوجه.
أحدها يجوز أن يفتى به ويجوز تقليده لانه وصل الى علمه كوصول العالم.
والثانى يجوز ان كان دليلها كتابا أو سنة، ولا يجوز أن كان غيرهما.