وقال الشيخ أبو عمرو وينبغى أن يخرج هذا على خلاف حكاه الشيخ أبو اسحاق الشيرازى وغيره أن ما يخرجه أصحابنا هل يجوز نسبته الى الشافعى؟ والاصح أنه لا ينسب اليه، ثم تارة يخرج من نص معين لامامه وتارة لا يجده فيخرج على أصوله بأن يجد دليلا على شرط ما يحتج به امامه فيفتى بموجبه، فان نص امامه على شئ، ونص فى مسألة تشبهها على خلافه، فخرج من أحدهما الى الآخر، سمى قولا مخرجا، وشرط هذا التخريج أن لا يجد بين نصيه فرقا، فان وجده وجب تقريرهما على ظاهرهما، ويختلفون كثيرا فى القول بالتخريج فى مثل ذلك لاختلافهم فى امكان الفرق قلت (النووى) وأكثر ذلك يمكن فيه الفرق وقد ذكروه.
الحالة الثالثة: أن لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه، لكنه فقيه النفس، حافظ مذهب امامه، عارف بأدلته، قائم بتقريرها، يصور ويحرر ويقرر ويمهد ويزيف ويرجح، لكنه قصر عن أولئك، لقصوره عنهم فى حفظ المذهب أو الارتياض فى الاستنباط أو معرفة الاصول ونحوها من أدلتهم.
وهذه صفة كثير من المتأخرين الى أواخر المائة الرابعة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه تصانيف فيها معظم اشتغال الناس اليوم، ولم يلحقوا الذين قبلهم فى التخريج.
وأما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها تبسط أولئك أو قريبا منه، ويقيسون غير المنقول عليه غير مقتصرين على القياس الجلى، ومنهم من جمعت فتاويه ولا تبلغ فى التحاقها بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه.
الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه فى الواضحات والمشكلات، ولكن عنده ضعف فى تقرير أدلته وتحرير أقيسته، فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من نصوص امامه وتفريع المجتهدين فى مذهبه، وما لا يجده منقولا ان وجد فى المنقول معناه بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق بينهما، جاز الحاقه به والفتوى به، وكذا ما يعلم اندراجه تحت ضابط ممهد فى المذهب، وما ليس كذلك يجب امساكه عن الفتوى فيه، ومثل هذا يقع نادرا فى حق المذكور، اذ يبعد كما قال امام الحرمين ان تقع مسئلة لم ينص عليها فى المذهب، ولا هى فى معنى المنصوص، ولا مندرجة تحت ضابط وشرطه كونه فقيه النفس ذا حظ وافر من الفقه، قال أبو عمرو: ويكتفى فى حفظ المذهب فى هذه الحالة والتى قبلها يكون المعظم على ذهنه ويتمكن لدربته من الوقوف على الباقى على قرب.