للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما أن الصحابة سادة الامة وأئمتها وقادتهم فهم سادات المفتين والعلماء.

قال الليث عن مجاهد: العلماء أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم.

وقال سعيد عن قتادة فى قوله تعالى «وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ ١ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ‍ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» قال: أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم، ثم ذكر آثارا كثيرة فى فضل الصحابة وعلمهم وآثارهم فى القضاء والافتاء قصد السير فى طريقهم والنسج على منوالهم لم آت بها خشية الاطالة والخروج عن الموضوع والله الموفق والمعين.

ثم قال (ابن القيم) (٢) قال الامام أحمد فى رواية ابنه صالح عنه: ينبغى للرجل اذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن، عالما بالاسانيد الصحيحة، عالما بالسنن وانما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها.

وقال فى رواية ابنه عبد الله: اذا كان عند الرجل الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلاف الصحابة والتابعين، فلا يجوز أن يعمل بما شاء ويتخير فيقضى به ويعمل به

حتى يسأل أهل العلم ما يؤخذ به فيكون يعمل على أمر صحيح.

وقال فى رواية أبى الحرث: لا يجوز الافتاء الا لرجل عالم بالكتاب والسنة.

وقال فى رواية حنبل: ينبغى لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم والا فلا يفتى.

وقال محمد بن عبد الله بن المناوى:

سمعت رجلا يسأل أحمد اذا حفظ‍ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيها؟ قال: لا قال:

فمائتى ألف؟ قال: لا، قال: فثلثمائة ألف: قال لا، قال: فأربعمائة ألف؟ قال بيده: هكذا وحرك يده.

قال أبو الحسين: وسألت جدى محمد بن عبيد الله قلت: فكم كان يحفظ‍ أحمد بن حنبل؟ قال: أخذ عن ستمائة ألف.

قال أبو حفص: قال لى أبو اسحق، لما جلست فى جامع المنصور للفتيا: ذكرت هذه المسألة فقال لى رجل: فأنت هو ذا لا تحفظ‍ هذا المقدار حتى تفتى الناس فقلت له: عافاك الله اذ كنت لا أحفظ‍ هذا المقدار فانى هو ذا أفتى الناس بقول من كان يحفظ‍ هذا المقدار وأكثر منه.

قال القاضى أبو يعلى: وظاهر هذا الكلام أنه لا يكون من أهل الاجتهاد اذا لم يحفظ‍ من الحديث هذا القدر الكثير الذى ذكره، وهذا محمول على الاحتياط‍ والتغليظ‍ فى الفتوى.


(١) الآية رقم ٦ من سورة سبا.
(٢) أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية ج‍ ١ ص ٤٩ وما بعدها الطبعة السابقة.