للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعمل فيما ظاهره التعارض من النصوص وكل هذا منصوص فى القرآن قال تعالى: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (١). فهذا ايجاب لتعلم أحكام القرآن وأحكام أوامر النبى صلّى الله عليه وسلّم لان هذين أصل الدين وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ» فوجب بذلك تعريف عدول النقلة من فساقهم وفقهائهم ممن لم يتفقه منهم (٢). ثم قال (٣) وفرض عليه أن يستعين على ذلك من سائر العلوم بما تقتضيه حاجته اليه فى فهم كلام ربه تعالى وكلام نبيه صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (٤) ففرض على الفقيه أن يكون عالما بلسان العرب ليفهم عن الله عز وجل وعن النبى صلّى الله عليه وسلم، ويكون عالما بالنحو الذى هو ترتيب كلام العرب لكلامهم الذى به نزل

القرآن وبه يفهم معانى الكلام التى يعبر عنها باختلاف الحركات وبناء الالفاظ‍، فمن جهل اللغة وهى الالفاظ‍ الواقعة على المسميات وجهل النحو الذى هو علم اختلاف الحركات الواقعة لاختلاف المعانى فلم يعرف اللسان الذى به خاطبنا الله تعالى ونبينا محمد عليه الصلاة والسّلام، ومن لم يعرف ذلك اللسان لم يحل له الفتيا فيه لانه يفتى بما لا يدرى وقد نهاه الله تعالى عن ذلك بقوله تعالى «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً» وبقوله تعالى «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ» وبقوله تعالى «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ» وقال تعالى «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ»}.

وفرض على الفقيه أن يكون عالما بسير النبى صلّى الله عليه وسلّم ليعلم آخر أوامره وأولها وحربه عليه السّلام لمن حارب وسلمه لمن سالم وليعرف على ماذا حارب ولماذا وضع الحرب وحرم الدم بعد تحليله وأحكامه عليه السّلام التى حكم بها.

فمن كانت هذه صفته وكان ورعا فى فتياه مشفقا على دينه صلبا فى الحق


(١) الآية رقم ١٢٢ من سورة التوبة.
(٢) الأحكام فى أصول الاحكام لابن حزم الظاهرى ج‍ ٥ ص ١٢٤ الطبعة السابقة.
(٣) المرجع السابق ج‍ ٥ ص ١٢٥، ١٢٦ الطبعة السابقة.
(٤) الآية رقم ٤ من سورة ابراهيم.