للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حلت له الفتيا، والا فحرام عليه أن يفتى بين اثنين، أو أن يحكم بين اثنين، وحرام على الامام أن يقلده حكما، أو يتيح له فتيا، وحرام على الناس أن يستفتوه، لانه ان لم يكن عالما بما ذكرنا فلم يتفقه فى الدين، وان لم يكن مشفقا على دينه فهو فاسق، وان لم يكن صلبا فى الحق لم يأمر بمعروف ولا نهى عن منكر، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر فرضان على الناس قال تعالى «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» وهذا متوجه الى العلماء بالمعروف وبالمنكر لانه لا يجوز (١) أن يدعو الى الخير الا من علمه ولا يمكن أن يأمر بالمعروف الا من عرفه ولا يقدر على أنكار المنكر الا من ميزه.

ثم قال ابن حزم: وأما معرفة الاجماع والاختلاف فقد زعم قوم ان هذا يجب معرفته بقوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ ٢ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» قال: ففرض

علينا معرفة ما اتفقت عليه أولو الامر منا، لاننا مأمورون بطاعتهم، ولا يمكننا طاعتهم الا بعد معرفة اجماعهم الذى يلزمنا طاعتهم فيه، وأما معرفة الاختلاف ومعرفة ما يتنازعون فيه ومعرفة كيفية الرد الى الكتاب والسنة فبقوله تعالى «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ» ففرض علينا معرفة ما يتنازعون فيه ومعرفة كيف يرد ذلك الى الكتاب والسنة، لاننا ان لم نعرف الاختلاف ظننا أن القول الذى نسمعه من بعض العلماء لا خلاف فيه فنتبعه دون أن نعرضه على القرآن والسنة فنخطئ ونعصى الله تعالى اذا أخذنا قولا نهينا عن اتباعه.

قال أبو محمد: وهذا خطأ، لاننا انما أمرنا الله تعالى بطاعة أولى الامر فيما نقلوه الينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أن يقولوا من عند أنفسهم بحكم لا نص فيه فما جاز هذا قط‍ لاحد أن يفعله، ولا حل لاحد قط‍ أن يطيع من فعله، وقد توعد الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلم على هذا أشد الوعيد، فكيف على من دونه قال تعالى «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما}


(١) الأحكام لا بن حزم الظاهرى ج‍ ٥ ص ١٢٤، ١٢٥ الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ٥٩ من سورة النساء.