للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» (١) فصح أن من قال فى الدين بقول أضافه الى الله تعالى فقد كذب وتقول على الله تعالى الاقاويل وان لم يضفه الى الله تعالى فليس من الدين أصلا.

لكن معرفة الاختلاف علم زائد، قال سعيد بن جبير: أعلم الناس أعلمهم بالاختلاف، وصدق سعيد، لانه علم زائد، وكذلك معرفة من أين قال كل قائل، فأما معرفة كيفية اقامة البرهان فبقوله تعالى: {قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» (٢) فلم نقل شيئا الا ما قاله ربنا عز وجل وأوجبه علينا، وانما نحن منبهون على ما أمرنا الله تعالى ومنذرون قومنا فيما تفقهنا فيه ونفرنا لتعلمه كما أمرنا الله تعالى اذ يقول: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ» (٣) ولا نقول من عند أنفسنا شيئا.

ثم قال (٤): فحد الفقيه: هو المعرفة بأحكام الشريعة من القرآن ومن كلام المرسل بها الذى لا تؤخذ الا عنه،

وتفسير هذا الحد هو المعرفة بأحكام القرآن وناسخها ومنسوخها، والمعرفة بأحكام رسول الله صلّى الله عليه وسلم ناسخه ومنسوخه، وما صح نقله مما لم يصح، ومعرفة ما أجمع العلماء عليه وما اختلفوا فيه وكيف يرد الاختلاف الى القرآن، وكلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فهذا تفسير العلم بأحكام الشريعة.

وكل من علم مسالة واحدة من دينه على الرتبة التى ذكرنا جاز له أن يفتى بها، وليس جهله بمانع من أن يفتى بما علم ولا علمه بما علم بمبيح له أن يفتى فيما جهل وليس أحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم الا وقد غاب عنه من العلم كثير هو موجود عند غيره، فلو لم يفت الا من أحاط‍ بجميع العلم لما حل لاحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتى أصلا، وهذا لا يقوله مسلم، وهو ابطال للدين، وكفر من قائله، وقد بعث النبى صلى الله عليه وسلم الامراء الى البلاد ليعلموا الناس القرآن وحكم الدين، ولم يكن أحد منهم يستوعب جميع ذلك لانه قد كانت تنزل بعدهم الايات والاحكام.

وفى ذلك بيان صحيح بأن العلماء وان فاتهم كثير من العلم فان لهم أن يفتوا ويقضوا بما عرفوا.

وفى هذا الباب أيضا بيان جلى على أن من علم شيئا من الدين علما صحيحا


(١) الآيات رقم ٤٤، ٤٥، ٤٦، ٤٧ من سورة الحاقة.
(٢) الآية رقم ١١ من سورة البقرة.
(٣) الآية رقم ١٢٢ من سورة التوبة.
(٤) المرجع السابق ج ٥ ص ١٢٧ الطبعة السابقة.