للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فله أن يفتى به وعليه أن يطلب علم ما جهل مما سوى ذلك، ومن علم أن فى المسألة التى نزلت حديثا قد فاته لم يحل له أن يفتى فى ذلك حتى يقع على ذلك الحديث.

ثم قال ابن حزم (١): فالواجب طلب الحكم فى المسألة من نص القرآن، وصحيح الحديث، وطلب الناسخ من المنسوخ، وبناء الحديث بعضه مع بعض، ومع القرآن وبناء الآى بعضها مع بعض، ليس عليه غير هذا البتة.

وان طالع أقوال الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم عصرا عصرا، ففرض عليه أن ينظر من أقوال العلماء كلها نظرا واحدا ويحكم فيها القرآن والسنة، فلأيها حكم اعتقده وأفتى به وأطرح سائرها، وان لم يجد شيئا مما بلغه منها فى نص القرآن ولا فى نص السنة لم يحل له أن يأخذ بشئ منها، بل عليه أن يأخذ بالنص وان لم يبلغه ان قائلا قال به.

ثم قال (٢): لا يحل اتباع فتيا صاحب ولا تابع ولا أحد دونهم الا أن يوجبها نص أو اجماع.

وقال (٣): وقد كان الصحابة يقولون بآرائهم فى عصره عليه السّلام فيبلغه ذلك فيصوب المصيب ويخطئ المخطئ، فذلك بعد موته عليه السّلام أفشى وأكثر، فمن ذلك فتيا ابى السنابل لسبيعة الاسلمية بأن عليها فى العدة آخر الاجلين، فأنكر عليه السّلام ذلك، وأخبر ان فتياه باطلة، وقد أفتى بعض الصحابة وهو عليه السّلام حى - بأن على الزانى غير المحصن الرجم حتى افتداه والده بمائة شاة ووليدة، فأبطل عليه السّلام ذلك الصلح وفسخه، وساق ابن حزم من ذلك أمثلة كثيرة.

وقال (٤): واذا سئل العالم عن مسألة فأعيته أو نزلت به نازلة فأعيته فانه يلزمه أن يسأل الرواة عن أقوال العلماء فى تلك المسألة النازلة ثم يعرض تلك الأقوال على كتاب الله تعالى وكلام النبى صلّى الله عليه وسلّم كما أمره الله تعالى بقوله «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (٥) وإذ يقول: وما أختلفتم فيه من شئ فحكمه (٦) الى الله ذلكم الله ربى عليه توكلت


(١) الأحكام فى أصول الأحكام لابن حزم الظاهرى ج‍ ٥ ص ١٢٩، ١٣٠ الطبعة السابقة.
(٢) الأحكام لابن حزم الظاهرى ج ٦ ص ٨٧، ٨٨ الطبعة السابقة.
(٣) المرجع السابق ج‍ ٦ ص ٨٤ الطبعة السابقة.
(٤) الأحكام لابن حزم الظاهرى ج‍ ٦ ص ١٥٠ الطبعة السابقة.
(٥) الآية رقم ٧ من سورة الأنبياء.
(٦) الآية رقم ١٠ من سورة الشورى.