الثالثة: يحرم التساهل فى الفتوى ومن عرف به حرم استفتاؤه.
فمن التساهل أن لا يتثبت ويسرع فى الفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر فأن تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالمبادرة.
وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة.
ومن التساهل أن تحمله الاغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص لمن يروم نفعه أو التغليظ على من يريد ضره.
وأما من صح قصده فاحتسب فى طلب حيلة لا شبهة فيها لتخليص من ورطة يمين ونحوها فذلك حسن جميل. وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا كقول سفيان انما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل أحد.
الرابعة: ينبغى أن لا يفتى فى حال تغير خلقه وتشغل قلبه وما يمنعه التأمل كغضب وجوع وعطش وحزن وفرح غالب ونعاس أو ملل أو حر مزعج أو مرض مؤلم أو مدافعة حدث وكل حال يشتغل فيه قلبه ويخرج عن حد الاعتدال فان أفتى فى بعض هذه الاحوال وهو يرى أنه لم يخرج عن الصواب جاز وان كان مخاطبا بها.
الخامسة: المختار للمتصدى للفتوى أن يتبرع بذلك ويجوز أن يأخذ عليه رزقا من بيت المال الا أن يتعين عليه وله كفاية فيحرم على الصحيح.
وقال الصيمرى والخطيب لو اتفق أهل البلد فجعلوا له رزقا من أموالهم على أن يتفرغ لفتاويهم جاز.
أما الهدية فقال أبو مظفر السمعانى له قبولها بخلاف الحاكم فأنه يلزم حكمه.
قال أبو عمرو ينبغى أن يحرم قبولها ان كانت رشوة على أن يفتيه بما يريد كما فى الحاكم وسائر ما لا يقابل بعوض.
قال الخطيب وعلى الامام أن يفرض لمن نصب نفسه لتدريس الفقه والفتوى فى الاحكام ما يغنيه عن الاحتراف ويكون ذلك من بيت المال.
ثم روى بأسناده أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أعطى كل رجل ممن هذه صنعته مائة دينار فى السنة.
السادسة: لا يجوز أن يفتى فى الايمان والاقرار ونحوهما مما يتعلق بالالفاظ الا أن يكون من أهل بلد اللافظ أو متنزلا منزلتهم فى الخبرة بمرادهم من ألفاظهم وعرفهم فيها.