للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنده، فلأن حصة كل واحد منهما من رأس المال تعرف من غير حزر وظن، فكان قدر رأس المال معلوما، وصار كما اذا أسلم عشرة دراهم فى قفيزى حنطة ولم يبين حصة كل قفيز من رأس المال أنه يجوز لما قلنا كذا هذا.

ولو قبض الثوبين بعد محل الاجل ليس له أن يبيع احدهما مرابحة على خمسة دراهم عند أبى حنيفة.

وعند أبى يوسف ومحمد له ذلك وله أن يبيعهما جميعا مرابحة على عشرة بالاجماع.

وكذا لو كان بين حصة كل ثوب خمسة دراهم له أن يبيع أحدهما على خمسة مرابحة بلا خلاف.

ومنها أن يكون رأس المال مقبوضا فى مجلس السلم، لأن المسلم فيه دين والافتراق لا عن قبض رأس المال يكون افتراقا عن دين بدين وانه منهى عنه، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ - أى النسيئة بالنسيئة - ولأن مأخذ هذا العقد دليل على هذا الشرط‍، فانه يسمى سلما وسلفا لغة وشرعا.

تقول العرب: أسلمت وأسلفت بمعنى واحد، وفى الحديث من أسلم فليسلم فى كيل معلوم وروى: من سلف فليسلف فى كيل معلوم. والسلم ينبئ عن التسليم.

والسلف ينبئ عن التقدم فيقتضى لزوم تسليم رأس المال (١).

وذكر السرخسى من أئمة الحنفية أن رأس مال السلم يصح أن يكون دراهم أو دنانير ويصح أن يكون عروضا فاذا كان دراهم أو دنانير كان التعجيل فيه شرطا قياسا واستحسانا، لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان فى العقود فيكون هذا بيع الدين بالدين وذلك لا يجوز لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ.

أما اذا كان رأس المال عروضا فالقياس أنه لا يكون التعجيل شرطا، لأن العروض سلعة تتعين فى العقود بخلاف الدراهم فلو لم يشترط‍ التعجيل لم يؤد الى بيع الدين بالدين. ولكن فى الاستحسان يكون التعجيل شرطا، لأن السلم أخذ عاجل بآجل والمسلم فيه آجل فوجب أن يكون رأس المال عاجلا (٢).

ويقدم قبضه على قبض المسلم فيه. وسواء قبض فى أول المجلس أو فى آخره فهو جائز، لأن ساعات المجلس لها حكم ساعة واحدة وكذا لو لم يقبض حتى قاما يمشيان فقبض قبل أن يفترقا بأبدانهما جاز، لأن ما قيل الافتراق بأبدانهما له حكم المجلس.


(١) بدائع الصنائع ج ٥ ص ٢٠١، ص ٢٠٢.
(٢) المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج ١٢ ص ١٢٧ طبع مطبعة السعادة بمصر.