وعلى هذا يخرج الابراء عن رأس مال السلم أنه لا يجوز بدون قبول رب السلم، لأن قبض رأس المال شرط صحة السلم، فلو جاز الابراء من غير قبوله وفيه اسقاط هذا الشرط أصلا لكان الابراء فسخا معنى، وأحد العاقدين لا ينفرد بفسخ العقد فلا يصح الابراء وبقى عقد السلم على حاله، واذا قبل جاز الابراء، لأن الفسخ حينئذ يكون بتراضيهما وأنه جائز، واذا جاز الابراء - وأنه فى معنى الفسخ - انفسخ العقد ضرورة بخلاف الابراء عن المسلم فيه فهو جائز من غير قبول المسلم اليه، لأنه ليس فى الابراء عنه اسقاط شرط، لأن قبض المسلم فيه ليس بشرط فيصح من غير قبول.
وعلى هذا يخرج الاستبدال برأس مال السلم فى مجلس العقد أنه لا يجوز، وهو أن يأخذ برأس مال السلم شيئا من غير جنسه، لأن قبض رأس المال لما كان شرطا فبالاستبدال يفوت قبضه حقيقة، وانما يقبض بدله، وبدل الشئ غيره، فان أعطى رب السلم من جنس رأس المال أجود أو أردأ ورضى المسلم اليه بالأردأ جاز، لأنه قبض جنس حقه، وانما اختلف الوصف، فان كان أجود فقد قضى حقه وأحسن فى القضاء وان كان أردأ فقد قضى حقه أيضا لكن على وجه النقصان فلا يكون أخذ الاجود والاردأ استبدالا، الا أنه لا بجبر على أخذ الأردأ، لأن فيه فوات حقه عن صفة الجودة فلا بد من رضاه، أما اذا كان أعطاه أجود من حقه فقال زفر: لا يجبر، لأن رب السلم فى اعطاء الزيادة على حقه متبرع، والمتبرع عليه لا يجبر على قبول التبرع لما فيه من الزام المنة، فلا يلزمه من غير التزامه.
وقال علماؤنا الثلاثة رحمهم الله تعالى:
يجبر عليه، لأن اعطاء الاجود مكان الجيد فى قضاء الديون لا يعد فضلا وزيادة فى العادات بل يعد من باب الاحسان فى القضاء ولواحق الايفاء، فاذا أعطاه الأجود فقد قضى حق صاحب الحق. وأجمل فى القضاء فيجبر على الأخذ.
وتجوز الحوالة برأس مال السلم على رجل حاضر والكفالة به لوجود ركن هذه العقود مع شرائطه فيجوز كما فى سائر العقود، فلو امتنع الجواز فانما يمتنع لمكان الخلل فى شرط عقد السلم وهو القبض، وهذه العقود لا تخل بهذا الشرط، بل تحققه لكونها وسائل استيفاء الحق فكانت مؤكدة له. هذا مذهب أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى.
وقال زفر: لا يجوز، لأن هذه العقود شرعت لتوثيق حق يحتمل التأخر عن المجلس فلا يحصل ما شرع له العقد فلا يصح.
وهذا غير سديد، لأن معنى التوثيق يحصل فى الحقين جميعا، فجاز العقد فيهما جميعا.