للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجوز أن يبيع الانسان ماله بشرط‍ أن يكون ثمنه لغيره كما فى بيع العين واذا بطل التوكيل كان الوكيل عاقدا لنفسه فيجب المسلم فيه فى ذمته ورأس المال مملوك له واذا سلمه الى الآمر على وجه التمليك منه كان قرضا. نعم يجوز توكيل المسلم اليه بدفع المسلم فيه (١).

فاذا وكل الرجل الرجل ان يسلم له عشرة دراهم فى كر حنطة فأسلمها الوكيل بشروط‍ السلم ودفع الدراهم من عنده فهو جائز، لأن السلم عقد تمليك الآمر بمباشرته بنفسه فيجوز منه توكيل غيره به كبيع العين لأن الوكيل يقوم مقام الموكل فى تحصيل مقصوده وهذا عقد يملك المأمور مباشرته لنفسه فيصح منه مباشرته لغيره بأمره كالبيع، لأن العاقد باشر العقد بأهليته وولايته الأصلية سواء باشر لنفسه أو لغيره.

والأصل فيه قوله تعالى: «فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ» (٢).

ومن دفع الى آخر دراهم ليشترى بها شيئا فان المدفوع اليه يكون وكيلا من جهة الدافع، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه دفع الى حكيم بن حزام أو الى عروة البارقى رضى الله عنهما دينارا ليشترى له به أضحية فدل أن التوكيل جائز فى البيع فكذلك فى السلم، لأن السلم نوع بيع على ما عرف - وكذلك تعامل الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا على التوكيل فى البيع والسلم جميعا (٣).

وبناء على ما تقدم فان الوكيل فى السلم كالعاقد لنفسه فى حقوق العقد حتى تتوجه عليه المطالبة بتسليم رأس المال دون الموكل وكذلك حق قبض المسلم فيه عند حلول الأجل يكون للوكيل دون الموكل، لأن حقوق العقد فى البيع والشراء تتعلق بالوكيل عندنا وسبب تعلق حقوق العقد بالمرء هو مباشرته العقد وثبوت الحكم باعتبار السبب ولو كان الوكيل معبرا عن الموكل لم يستغن عن ذكر الموكل عند العقد ..

ومن ثم يثبت أن الوكيل عاقد حكما مباشر للعقد.

واذا تقرر أن الوكيل كالعاقد لنفسه كان هو المطالب بتسليم رأس المال، فاذا نقده من عنده رجع بمثله على الآمر، لأنه نقد مال نفسه فى عقد حصل مقصود ذلك العقد للآمر فأمره اياه بالعقد يكون أمرا بأداء رأس المال من عنده على أن يرجع عليه بمثله. وكذلك الوكيل هو الذى يقبض المسلم فيه اذا حل الأجل عملا بمبدأ الغنم بالغرم، فاذا كان هو المطالب بتسليم رأس المال كان حق قبض المسلم فيه


(١) البحر الرائق ج ٧ ص ١٧١ وما بعدها.
(٢) الآية رقم ١٩ من سورة الكهف.
(٣) المبسوط‍ لشمس الدين السرخسى ج ١٢ ص ٢٠٢ وما بعدها طبعة مطبعة السعادة.