للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما اذا وكله فى أن يسلم له عشرة دراهم فى طعام فالمستحسن عندنا أن ذلك جائز على أن الطعام يعنى الدقيق والحنطة، لأن الطعام اذا أطلق عند ذكر البيع والشراء يراد به الحنطة ودقيقها، وسوق الطعام هو الموضع الذى يباع فيه الحنطة ودقيقها. هذا فى حين يقع مثل هذا التوكيل فى القياس باطلا، لأن اسم الطعام حقيقة لكل مطعوم والمطعومات أجناس مختلفة وجهالة الجنس تمنع صحة الوكالة (١).

واذا وكله بأن يسلم اليه عشرة دراهم من الدين الذى له عليه فى حنطة فأسلمها له فهو عاقد لنفسه حتى يقبض الطعام فيرده الى الآمر مكان دينه قال أبو حنيفة:

فحينئذ يسلم للآمر اذا تراضيا عليه.

وقال محمد وأبو يوسف رحمهما الله:

هو جائز على الآمر (٢).

واذا وكل الرجل رجلين فى أن يسلما له عشرة دراهم فى طعام فأسلمها أحدهما لم يجز، لأن عقد السلم يحتاج فيه الى الرأى والتدبير كبيع العين وهو انما رضى برأى المثنى ورأى الواحد لا يكون كرأى المثنى. فان أسلماها ثم تارك أحدهما مع المسلم اليه السلم لم يجز عندهم جميعا (٣).

واذا عقد الوكيل السلم ثم اقتضى الموكل المسلم فيه فانه لا يجوز فى القياس، لأن القبض من حكم العقد والموكل فيه كسائر الأجانب ألا ترى أن الايفاء لم يجب على المسلم اليه بطلب الموكل فكذلك لا يبرأ المسلم اليه بتسليمه اليه. ولكن هذا الاقتضاء من الموكل جائز على وجه الاستحسان، لأن بقبض الوكيل يتعين ملك الموكل فكان الموكل فى هذا القبض عاملا لنفسه فى تعيين ملكه فهو يكفى الوكيل مؤنة القبض والتسليم اليه ولا يلحق به ضرر فى تصرفه (٤).

وان تارك المسلم اليه مع الموكل جاز، لأن الموكل قائم مقام العاقد فى ملك المعقود عليه فتصح منه المتاركة وان لم يتاركه فأراد قبض الطعام منه فللمسلم اليه أن يمتنع من دفعه اليه، لأن المطالبة بالتسليم تتوجه بالعقد والموكل من العقد أجنبى فمطالبته لا تلزم المسلم اليه الدفع له (٥).

وان وكله بثوب يبيعه بدراهم فأسلمه فى طعام الى أجل فهو عاقد لنفسه، لأنه خالف ما أمره به نصا. أما ان أمره ببيعه ولم يسم له الثمن فأسلمه فى طعام جاز على الآمر على ما يرى الامام أبو حنيفة ولكن صاحبيه لا يريان جوازه (٦).


(١) المرجع السابق ج‍ ١٢ ص ٢٠٨، ٢٠٩.
(٢) المرجع السابق ج ١٢ ص ٢١٠.
(٣) المرجع السابق ج ١٢ ص ٢١١.
(٤) المرجع السابق ج ١٢ ص ٢١١ وما بعدها.
(٥) المرجع السابق ج ١٢ ص ٢١٢.
(٦) المرجع السابق ج ١٢ ص ٢١٣.