ما نقل إلينا فى ثنايا الكتب الفقهية أو كتب اختلاف الفقهاء.
أما سفيان الثورى الذى توفى سنة ١٦١ هـ فكان له أتباع أخذوا عنه ورووا كتبه ولكنه مات مستترا من ذوى السلطان ودفن عشاء. وكان قد أوصى فى كتبه فمحيت وأحرقت. وكان من الآخذين عنه أناس باليمن، وآخرون بأصفهان، وقوم بالموصل وقد انقرض أهل هذا المذهب فى وقت قصير جدا ثم اختفت كتبهم.
أما عبد الرحمن الأوزاعى المتوفى سنة ١٥٧ هـ فقد انتشر مذهبه بالشام حتى ولى قضاء دمشق أبو زرعة محمد بن عثمان من أتباع الشافعى الذى أدخل مذهبه بالشام وعمل على نشره، وكان يهب لمن يحفظ مختصر المزنى مائة دينار. وبالدعوة إلى هذا المذهب انقرض أتباع الأوزاعى بالشام فى القرن الرابع. وكان مذهب الأوزاعى الغالب على أهل الأندلس، ثم انقطع هناك بعد المائتين وتغلب مذهب مالك.
ويقول ابن فرحون المتوفى سنة ٧٩٩ هـ ان داود بن على المتوفى سنة ٢٧٠ كثر أتباعه وانتشر مذهبه ببلاد بغداد وبلاد فارس وأخذ به قليلون من أهل إفريقية وأهل الأندلس وهو ضعيف الآن أى فى عصر ابن فرحون.
ويقول ابن خلدون المتوفى سنة ٨٠٨:
إن مذهب أهل الظاهر قد اندرس اليوم بدروس أئمته وإنكار الجمهور على منتحليه ولم يبق إلا فى الكتب المجلدة وربما عكف عليها كثير من الطالبين الذين تكلفوا انتحال هذا المذهب ليأخذوا منه مذهبهم وفقههم فلا يظفرون بطائل، ولا ينالون إلا مخالفة الجمهور وإنكارهم عليهم وربما عدوا مبتدعين بنقلهم العلم من الكتب من غير مفتاح المعلمين.
وقد فعل ذلك ابن حزم بالأندلس على علو مرتبته فى حفظ الحديث، وصار إلى مذهب أهل الظاهر، ومهر فيه باجتهاد زعمه، وخالف إمامهم داود، وتعرض للكثير من أئمة المسلمين فنقم ذلك الناس عليه، وأوسعوا مذهبه استهجانا وإنكارا وتلقوا كتبه بالإغفال والترك، حتى أنه ليحظر بيعها بالأسواق وربما مزقت فى بعض الأحيان.
وهذا التعصب البغيض لم يقو على هدم الإمام ابن حزم ولا على إبادة الكثير من مؤلفاته وبقيت آراؤه واجتهاداته ومؤلفاته نبعا فقهيا صافيا فياضا، لم يذهب ببهجتها وجلالها وروعتها ما فيها من سلاطة القول، وشناعة التشهير بمخالفيه.
أما الطبرى، أبو جعفر محمد بن جرير المتوفى سنة ٣١٠ فقد أخذ الفقه عن داود، ودرس فقه أهل العراق ومالك والشافعى على رجاله، ولم ير أحمد فقيها وما رآه إلا محدثا، ولذا شنعوا عليه بعد موته. وبعد أن نضج كان له مذهب فى الفقه اختاره لنفسه وكان له أتباع من أجلهم المعافى النهروانى القاضى، وكانت له ولأتباعه مؤلفات فقهية لكنها لم تصل إلينا ولولا تفسيره الجليل ما وصل إلينا هذا القدر القيم من مذهبه. ولم نقف حتى الآن على أنه كان له أتباع موجودون بعد القرن الرابع.
والمذاهب الفقهية الباقية أتباعها حتى اليوم هى المذاهب الأربعة ومذهبا الزيدية