للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك لو حلف على نبيذ فصبه فى خل أو على ماء ملح فصب على ماء عذب.

والأصل فى هذا أن المحلوف عليه اذا اختلط‍ بغير جنسه فان الغلبة تعتبر فيه بلا خلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، غير أن أبا يوسف اعتبر الغلبة فى اللون أو الطعم لا فى الأجزاء.

فقال ان كان المحلوف عليه يستبين لونه أو طعمه حنث وان كان لا يستبين له لون ولا طعم لا يحنث سواء كانت أجزاؤه أكثر أو لم تكن لأن اللون والطعم اذا كانا باقيين كان الاسم باقيا.

ألا ترى أنه يقال لبن مغشوش، وخل مغشوش واذا لم يبق له لون ولا طعم لا يبقى الاسم، ويقال ماء فيه لبن وماء فيه خل فلا حنث.

أما محمد فانه يعتبر غلبة الأجزاء فقد قال: ان كانت أجزاء المحلوف عليه غالبا يحنث وان كانت مغلوبة لا يحنث لأن الحكم يتعلق بالأكثر والأقل يكون تبعا للأكثر فلا عبرة به (١).

ولو حلف لا يتكلم بسر فلان ولا بمكانه فكتب أو أشار لا يحنث لأن الكتابة والاشارة ليست بكلام وانما تقوم مقامه ألا ترى أن الله تعالى أنزل الينا كتابه ولا يقال ان الله تعالى فى العرف كلمنا.

فان سئل عنه فقال نعم فقد تكلم لأن قوله نعم لا يستقل بنفسه ويضمر فيه السؤال كما فى قوله تعالى: «فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ» أى وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فقد أتى بكلام دال على المراد.

ولو حلف لا يستخدم فلانة ثم أشار اليها بالخدمة فقد استخدمها فهو حانث لأن الاستخدام طلب الخدمة وقد وجد

ولو كانت هذه الأيمان كلها وهو صحيح ثم خرس فصار لا يقدر على الكلام كانت ايمانه فى هذا كله على الاشارة والكتاب فى جميع ما وصفنا الا فى خصلة واحدة. وهى أن يحلف أن لا يتكلم بسر فلان فلا يحنث الا بالتكلم لأن الكلام العرفى اسم لحروف منظومة تدل على معنى مفهوم، وذلك لا يوجد فى الاشارة والخبر والافشاء والاظهار من الأخرس انما يكون بالاشارة فيحنث بهما وكل شئ حنث فيه من هذه الأشياء بالاشارة فقال: أشرت وأنا لا أريد الذى حلفت عليه فان كان فعل ذلك جوابا لشئ مما سئل عنه لم يصدق فى القضاء لأن الاشارة فيها احتمال فان كان هناك دلالة حال زال الاحتمال وان لم يكن يرجع الى نيته (٢).


(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج ٣ ص ٦٢ الطبعة المتقدمة.
(٢) المرجع السابق ج ٣ ص ٥٤، ٥٥.