اجتهاد ثم علم خطأ القبلة بعد فراغه لم يعد، لانه أتى بالواجب عليه على وجهه مع عدم تفريطه فسقط عنه، ولان خفاء القبلة فى الاسفار يقع كثيرا لوجود الغيوم وغيرها من المواقع فيجاب الاعادة مع ذلك فيه حرج وهو منتف شرعا.
ولو دخل فى الصلاة باجتهاد بعد أن غلب على ظنه جهة القبلة وأحرم ثم شك لم يلتفت الى ذلك الشك، لانه لا يساوى غلبة الظن التى دخل بها فى الصلاة ويبنى على صلاته وكذا ان زاد ظن الخطأ ولم يبن له الخطأ ولا ظهر له جهة أخرى فلا يلتفت اليه ويبنى.
ولو غلب على ظنه خطأ الجهة التى يصلى اليها بأن ظهر له أنه يصلى الى غير القبلة ولم يظن جهة غيرها بطلت صلاته، لأنه لا يمكنه استدامتها الى غير القبلة وليست له جهة يتوجه اليها فبطلت لتعذر اتمامها.
ولو أخبر من يصلى باجتهاد أو تقليد وهو فى الصلاة بالخطأ فى القبلة يقينا وكان المخبر ثقة لزمه قبوله بأن يعمل به ويترك الاجتهاد أو التقليد كما لو أخبره بذلك قبل اجتهاده أو تقليده.
وان لم يكن الاخبار عن يقين لم يجز للمجتهد قبول خبره ولا العمل به، لما تقدم من أنه لا يقلد مجتهدا خالفه.
وان اراد مجتهد صلاة أخرى غير التى صلاها بالاجتهاد اجتهد لها وجوبا، فيجب الاجتهاد لكل صلاة، لانها واقعة متجددة فتستدعى طلبا جديدا كطلب الماء فى التيمم وكالحادثة فى الأصح فيها لمفت ومستفت.
قلت فيؤخذ من التعليل الأول أن المراد صلاة من الفرائض بخلاف النوافل فلا يلزمه التحرى لكل ركعتين لو أراد التنفل فى وقت واحد.
ويؤخذ من التعليل الثانى أنه اذا كان مقلدا لا يلزمه أن يجدد التقليد لكل صلاة كما هو مفهوم مجتهد.
فان تغير اجتهاده عمل بالاجتهاد الثانى.
لانه ترجح فى ظنه فصار العمل به واجبا فيستدير الى الجهة التى أداه اجتهاده اليها ثانيا ولم يعد ما صلى بالاجتهاد الأول، لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، والعمل بالثانى ليس نقضا للأول، بل لانه مجتهد أداه اجتهاده الى جهة فلم تجز له الصلاة الى جهة غيرها.
ولهذا قال عمر لما قضى فى المشركة فى العام الثانى بخلاف ما قضى به فى الأول ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضى اذا تقرر ذلك فيعمل بالاجتهاد الثانى ولو كان فى صلاة وبنى على ما عمله بالاجتهاد الأول نصا فلو فرض أنه صلى بكل اجتهاد ركعة من الرباعية الى جهة صحت صلاته الى الجهات الأربع.