أما الأول: فالأصل أن البينتين اذا تعارضتا فى أصل الملك من حيث الظاهر.
فان أمكن ترجيح احداهما على الأخرى يعمل بالراجح، لأن البينة حجة من حجج الشرع، والراجح ملحق بالمتيقن فى أحكام الشرع.
وان تعذر الترجيح فان أمكن العمل بكل واحدة منهما من كل وجه وجب العمل به، وان تعذر العمل بهما من كل وجه، وأمكن العمل بهما من وجه وجب العمل بهما، لأن العمل بالدليليز واجب بقدر الامكان.
وان تعذر العمل بهما أصلا سقط اعتبارهما والتحقا بالعدم، اذ لا حجة مع المعارضة، كما لا حجة مع المناقضة.
ثم قسم الدعوى بعد ذلك الى دعوى الملك.
ودعوى اليد.
ودعوى الحق.
ثم قال عن دعوى الملك أنها أما أن تكون من الخارج على ذى اليد.
أو من الخارجين على ذى اليد.
أو تكون من صاحبى اليد أحدهما على الآخر.
فان كانت الدعوى (١) من الخارج على ذى اليد دعوى الملك وأقاما البينة.
فاما أن تكون البينتان على ملك مطلق عن الوقت.
واما أن تكونا على ملك مؤقت.
واما أن تكون احداهما على ملك مطلق، والأخرى على ملك مؤقت.
وفى كل ذلك أما أن تكون بسبب.
واما أن تكون بغير سبب.
فان قامت البينتان على ملك مطلق عن الوقت من غير سبب فبينة الخارج أولى، لأن البينة حجة المدعى وذو اليد ليس بمدع فلا تكون البينة حجة.
وان قامت البينتان على ملك مؤقت من غير سبب، فان استوى الوقتان يقضى للخارج، لأنه بطل اعتبار الوقتين للتعارض، فبقى دعوى ملك مطلق.
وان كان أحدهما أسبق من الآخر يقضى للأسبق وقتا أيهما كان فى قول أبو حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى.
وروى ابن سماعة عن محمد أنه رجع عن هذا القول وقال: لا تقبل من صاحب اليد بينة على وقت وغيره الا فى النتاج.
والصحيح جواب ظاهر الرواية.
وان قامت احداهما على ملك مطلق والأخرى على ملك مؤقت من غير سبب لا عبرة بالوقت عندهما ويقضى للخارج.
وعند أبى يوسف يقضى لصاحب الوقت أيهما كان.
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج ٦ ص ٢٣٣، ٢٣٤ الطبعة السابقة.