شئ من اللحم مع السقط زيادة، ويحتمل أن يكون مثله فى الوزن، فيكون السقط زيادة، فوجب مراعاة طريق الاعتبار تحرزا عن الربا عند الامكان، ولهذا لم يجز بيع الدهن بالسمسم والزيت بالزيتون الا على طريق الاعتبار.
ومن شروط (١) البيع الخلو عن احتمال الربا، فلا يجوز المجازفة فى أموال الربا بعضها ببعض، لأن حقيقة الربا كما هى مفسدة للعقد، فاحتمال الربا مفسد له أيضا.
لقول عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه، ما اجتمع الحلال والحرام فى شئ الا وقد غلب الحرام الحلال.
والأصل فيه أن كل ما جازت فيه المفاضلة جاز فيه المجازفة، وما لا فلا، لأن التماثل والخلو عن الربا فيما يجرى فيه الربا لما كان شرط الصحة فلا يعلم تحقيق المماثلة بالمجازفة، فيقع الشك فى وجود شرط الصحة، فلا تثبت الصحة على الأصل المعه د فى الحكم المعلق على شرط اذا وقع الشك فى وجود شرطه أنه لا يثبت، لأن غير الثابت بيقين لا يثبت بالشك، كما أن الثابت بيقين لا يزول بالشك.
وبيان هذا الأصل فى مسائل:
اذا تبايعا حنطة بحنطة مجازفة.
فان لم يعلما كيلهما، أو علم أحدهما دون الآخر، أو علما كيل أحدهما دون الآخر، لا يجوز، لما قلنا.
وان علم استواؤهما فى الكيل.
فان علم فى المجلس جاز البيع، لأن المجلس وان طال فله حكم حالة العقد، فكأنه عند العقد.
وان علم بعد الافتراق لم يجز.
ولو تبايعا حنطة بحنطة وزنا بوزن متساويا فى الوزن لم يجز، لأن الحنطة مكيلة، والتساوى فى الكيل شرط جواز البيع فى المكيلات، ولا تعلم المساواة بينهما فى الكيل، فكان بيع الحنطة بالحنطة مجازفة.
وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه اذا غلب استعمال الوزن فيها تصير وزنية، ويعتبر التساوى فيها بالوزن وان كانت فى الأصل كيلية.
وعلى هذا تخرج المزابنة والمحاقلة أنهما لا يجوزان.
لأن المزابنة بيع التمر على رؤوس النخل بمثل كيله من التمر خرصا لا يدرى أيهما أكثر، وبيع الزبيب بالعنب لا يدرى أيهما أكثر.
والمحاقلة بيع الحب فى السنبل بمثل كيله من الحنطة خرصا لا يدرى أيهما أكثر، فكان هذا بيع مال الربا مجازفة، لأنه لا تعرف المساواة بينهما فى الكيل.
(١) المرجع السابق ج ٥ ص ١٩٣، ص ١٩٤