والفقه فى هذا الطور قد اتسع نطاقه وتمت مسائله وأخذ أوضاعا لها شأنها. فقد كثرت الفتاوى فى الواقعات والنوازل وفيها ما ينطوى على استنباط أحكام وفيها ما لا استنباط فيه ولكنه تطبيق للأحكام المعروفة يتفاوت القائمون به فى الدقة وملاحظة الاعتبارات الخفية. فكان هذا وما كان من اختلاف الروايات عن أئمة المذهب الواحد واختلاف آراء الفقهاء فيه كان كل أولئك سببا لتعدد الأقوال والحاجة إلى الترجيح ثم إلى قواعد للترجيح يعتمد عليها فى معرفة الراجح من ليس من أهل الترجيح واندمج كل هذا فى الفقه، فاتسع نطاقه.
وقد عنى الفقهاء فى هذا الطور بمسائل أصول الفقه التى ما كانت تعدو أن تكون مقدمة فقهية وما زالوا يبحثون ويتوسعون حتى جعلوا ذلك علما مستقلا.
وفى هذا الطور ظهر لون من الفقه لم يكن واضحا قبله حيث وضعت أصول للمسائل وقواعد كلية تدور فى أبواب مختلفة من الفقه، كما فعل الكرخى فى رسالته، وأبو زيد الدبوسى فى تأسيس النظر، وقاضيخان والحصيرى فى أوائل كل باب من شرحهما للجامع الكبير لمحمد، وصاحب جامع الفصول فى أكثر فصوله، وابن نجيم فى الأشباه والنظائر، والقرافى فى الفروق، وابن عبد السلام، والزركشى فى القواعد، وابن رجب فى القواعد الكبرى … كما توسعوا فى بيان الجمع والفروق بين المسائل، وفى وضع الألغاز الفقهية ومسائل المعاياة.
وفى هذا الطور لم تقف دراسة الفقهاء عند المذاهب التى ينتسبون إليها بل اتجهت عنايتهم إلى دراسة اختلاف الفقهاء وجمعة وتدوينه، فاشتغل به أبو جعفر الطحاوى ووضع فيه موسوعة بلغت نيفا وثلاثين ومائة جزء، اختصرها فيما بعد الجصاص، واشتغل به أيضا ابن جرير الطبرى يذكر فيه أحمد بن حنبل وقال إنه محدث وليس بفقيه، ولذلك رماه أتباع أحمد بعد موته بالرفض.
وكذلك اشتغل به المجتهد المنتسب أبو على الحسن بن خطير فجمع اختلاف الصحابة والتابعين والفقهاء، والنيسابورى الشافعى وله كتاب الانتصاف فى اختلاف العلماء قال فيه الشيرازى إنه مما يحتاج إليه الموافق والمخالف.
ولابن هبيرة الإفصاح. وللإسفرايينى فى الاختلاف كتاب الينابيع، وللشعرانى الميزان وهذه الثلاثة الأخيرة لم يذكر فيها إلا اختلاف المذاهب الأربعة ولم تكن كالتى ذكرت قبلها.
ومن الكتب التى كان أصل وضعها أن تكون مذهبية إلا أنها من أوسع كتب اختلاف الفقهاء: المغنى لابن قدامة الحنبلى، والمحلى لابن حزم، وهما البقية الباقية لنا من مبسوطات كتب الاختلاف.
وفى هذا الطور تحولت الدراسة إلى المختصرات المتعاصرة أو المتتالية فى كل مذهب، فانصرفت الهمم إلى شرحها والتعليق عليها كمختصرات الطحاوى والكرخى والقدورى والبداية للميرغينانى والوقاية والنقاية لصدر الشريعة وجده، وكنز النسفى وما كان بعدها من المختصرات عند الحنفية.
وكمختصر ابن أبى زيد وتهذيب البرادعى ومختصر ابن الحاجب فى الفروع ومختصر