والثانى: أنه يجوز، وهو الصحيح، لأنه علم يتعلم ويتعاطى فلم تختص به قبيلة، كالعلم بالأحكام.
وهل يجوز أن يكون واحدا فيه وجهان.
أحدهما: أنه يجوز، لأن النبى صلّى الله عليه وسلّم سر بقول مجزز المدلجى وحده، ولأنه بمنزلة الحاكم، لأنه يجتهد ويحكم كما يجتهد الحاكم، ثم يحكم.
والثانى: لا يجوز أن يكون امرأة ولا عبدا، كما لا يجوز أن يكون الحاكم امرأة ولا عبدا.
ولا يقبل الا قول من جرب وعرف بالقيافة حذقه كما لا يقبل فى الفتيا الا قول من عرف فى العلم حذقه وان ألحقته بهما أو نفته عنهما، أو أشكل الأمر عليها، أو لم تكن قافة، ترك حتى يبلغ، ويؤخذان بالنفقة عليه، لأن كل واحد منهما يقول: أنا الأب، وعلى نفقته، فاذا بلغ أمرناه أن ينتسب الى من يميل طبعه اليه، لما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال للغلام الذى ألحقته القافة بهما والى أيهما شئت، ولأن الولد يجد لوالده ما لا يجد لغيره، فاذا تعذر العمل بقول القافة رجع الى اختيار الولد.
وهل يصح أن ينتسب اذا صار مميزا ولم يبلغ؟ فيه وجهان.
أحدهما: يصح، كما يصح أن يختار الكون مع أحد الأبوين اذا صار مميزا.
والثانى: لا يصح، لأنه قول يتعين به النسب، ويلزم الأحكام به، فلا يقبل من الصبى، ويخالف اختيار الكون مع أحد الأبوين لأن ذلك غير لازم، ولهذا لو اختار أحدهما، ثم انتقل الى الآخر جاز، ولا يجوز ذلك فى النسب.
وان كان لأحدهما بينة قدمت على القافة، لأن البينة تخبر عن سماع أو مشاهدة، والقافة تخبر عن اجتهاد.
فان كان لكل واحد منهما بينة فهما متعارضان، لأنه لا يجوز أن يكون الولد من اثنين، ففى أحد القولين يسقطان ويكون كما لو لم تكن بينة.
وفى الثانى تستعملان.
فعلى هذا هل يقرع بينهما؟ فيه وجهان.
أحدهما: يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة قضى له، لأنه لا يمكن قسمة الولد بينهما، ولا يمكن الوقف، لأن فيه اضرارا باللقيط فوجبت القرعة.
والثانى: لا يقرع، لأن معنا ما هو أقوى من القرعة، وهو القافة، فعلى هذا يصير كما لو لم يكن لهما بينة، وليس فى موضع تسقط الأقوال الثلاثة فى استعمال البينتين الا فى هذا الموضع على هذا المذهب.