للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورثهما وورثاه، فان مات أحدهما فهو للباقى منهما، ونسبه من الأول قائم لا يزيله شئ، ومعنى قوله هو للباقى منهما والله أعلم، أنه يرثه ميراث أب كامل، كما أن الجدة اذا انفردت، أخذت ما يأخذه الجدات، والزوجة تأخذ وحدها ما يأخذه جميع الزوجات.

وان ادعاه أكثر من اثنين فألحقته بهم القافة فنص أحمد فى رواية منهما:

أنه يلحق بثلاثة.

ومقتضى هذا أنه يلحق بما ألحقته القافة وان كثروا، وذلك لأن المعنى الذى لأجله لحق باثنين موجود فيما زاد عليه فيقاس عليه، واذا جاز أن يلحق من اثنين جاز أن يلحق من أكثر من ذلك، هذا اذا وجدت القافة (١).

أما اذا لم توجد قافة، أو وجدت، لكن أشكل الأمر عليها، أو تعارضت أقوالها، أو وجد من لا يوثق بقوله، لم يرجح أحدهما بذكر علامة فى جسده، لأن ذلك لا يرجح به فى سائر الدعاوى سوى الالتقاط‍ فى المال واللقيط‍ ويضيع نسبه، هذا قول أبى بكر.

وقد أومأ اليه أحمد رحمه الله تعالى فى رجلين وقعا على امرأة فى طهر واحد الى أن الابن يخير أيهما أحب، وهو قول أبى عبد الله بن حامد، قال: يترك حتى يبلغ فينتسب الى من أحب منهما، وذلك لأن دعواهما تعارضتا، ولا حجة لواحد منهما فلم تثبت كما لو ادعيا رقه.

وقولهم: يميل طبعه الى قرابته.

قلنا: انما يميل الى قرابته بعد معرفته بأنها قرابته، فالمعرفة بذلك سبب الميل، ولا سبب قبله، ولو ثبت أنه يميل الى قرابته، لكنه قد يميل الى من أحسن اليه، فان القلوب جبلت على حب من أحسن اليها، وبغض من أساء اليها، وقد يميل اليه لاساءة الآخر اليه، وقد يميل الى أحسنهما خلقا أو أعظمهما قدرا أو جاها أو مالا، فلا يبقى للميل أثر فى الدلالة على النسب.

وقولهم: أنه صدق المقر بنسبه.

قلنا: لا يحل له تصديقه، فان النبى صلّى الله عليه وسلّم لعن من ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، وهذا لا يعلم أنه أبوه، فلا يأمن أن يكون ملعونا بتصديقه، ويفارق ما اذا انفرد فان المنفرد ثبت النسب بقوله من غير تصديق.

وأما قول عمر رضى الله تعالى عنه:

والى من شئت، فلم يثبت، ولو ثبت لم يكن فيه حجة، فانه انما أمره بالموالاة لا بالانتساب.


(١) المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج ٦ ص ٤٠٣، ص ٤٠٤ الطبعة السابقة.