فجاءت ام الغلام تقول: أنا امرأته، فلا شك فى أن الغلام يرثه، لأنه ثبت نسبه منه باقراره، أما المرأة ففى ارثها هذا الرجل قولان؟
ذكر فى النوادر أنها ترثه استحسانا.
والقياس أن لا يكون لها الميراث.
ووجه القياس أنه يحتمل أن تكون أم الغلام حرة، ويحتمل أن تكون أمة، ولو كانت حرة، يحتمل أن تكون هذه المرأة ويحتمل أن تكون غيرها، ولو كانت هذه المرأة فيحتمل أن يكون وطئها بنكاح صحيح، ويحتمل أن يكون بنكاح فاسد، أو بشبهة نكاح، فيقع الشك فى الأرث فلا ترث بالشك.
ووجه الاستحسان: أن سبب الاستحقاق للارث فى حقها يثبت باقراره بنسب الولد، وهو النكاح الصحيح، لأن المسألة مفروضة فى امرأة معروفة بالحرية وبأمومة هذا الولد، فاذا أقر بنسب الولد أنه منه، والنسب لا يثبت الا بالفراش، والأصل فى الفراش هو النكاح الصحيح، فكان دعوى نسب الولد اقرارا منه أنه من النكاح الصحيح، فاذا صدقها يثبت النكاح ظاهرا، فترثه، لأن العمل بالظاهر واجب، أما اذا لم تكن معروفة بذلك وأنكرت الورثة كونها حرة أو أماله فلا ميراث لها، لأن الأمر يبقى محتملا، فلا ترث بالشك والاحتمال.
وجاء فى السراجية (١): أنه اذا مات جماعة وبينهم قرابة، ولا يدرى أيهم مات أولا كما اذا غرقوا فى السفينة معا، أو وقعوا فى النار دفعة، أو سقط عليهم جدار، أو سقف بيت، أو قتلوا فى المعركة، ولم يعلم التقدم والتأخر فى موتهم، جعلوا كأنهم ماتوا معا، فمال كل واحد منهم لورثته الأحياء، ولا يرث بعض هؤلاء الأموات من بعض، هذا هو المختار، لأن سبب استحقاق كل كل منهما ميراث صاحبه غير معلوم يقينا وما لم يتيقن بالسبب لم يثبت بالاستحقاق، اذ لا يتصور ثبوته بالشك، وذلك لأن السبب هاهنا بقاؤه حيا بعد موت مورثه، وانما يعلم ذلك بطريق الظاهر، واستصحاب الحال، دون اليقين، اذ الظاهر بقاء ما كان على ما كان عليه، وهذا البقاء لانعدام الدليل المزيل، لا لوجود الدليل المبقى، فيعتد باستصحاب الحياة فى بقاء ما كان لا فى اثبات ما لم يكن كحياة المفقود، وتجعل ثابتة فى نفى التوريث عنه لا فى استحقاق الميراث من مورثه، وأيضا قد ظهر الموتان ولم يعلم السبق، فيجعل كأنهما وقعا معا كما اذا تزوج امرأة ثم تزوج أختها، ولم يدر السابق منهما فيجعل كأنهما وقعا معا فيفسد النكاحان، فكذا ها هنا يجعل الأخوان مثلا، كأنهما ماتا معا حقيقة، فلا يرث أحدهما
(١) شرح السراجية لخاتمة المحققين السيد الشريف على بن محمد الجرجانى ج ١ ص ٢١٩ طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة ١٣٦٣ هـ، سنة ١٩٤٤ م.