وقد روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه قال: أمرنى أبو بكر الصديق بتوريث أهل اليمامة فورثت الأحياء من الأموات، ولم أورث الأموات بعضهم من بعض، وأمرنى عمر رضى الله تعالى عنه بتوريث أهل طاعون عمواس، وكانت القبيلة تموت بأسرها فورثت الأحياء من الأموات، ولم أورث الأموات بعضهم من بعض.
وهكذا نقل عن على كرم الله وجهه فى قتلى الجمل وصفين.
وقال على وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما فى احدى الروايتين عنهما: يرث بعض هؤلاء الأموات من بعض الا مما ورث كل واحد منهم من مال صاحبه، فانه لا يرث منه، والا لزم أن يرث كل واحد من مال نفسه، ولا شك فى بطلانه، واليه ذهب ابن أبى ليلى.
والوجه فى ذلك أن سبب استحقاق كل واحد منهما ميراث صاحبه هو حياته بعد موت صاحبه، وقد عرف حياته بيقين، فيجب أن يتمسك به، وسبب الحرمان موته قبل موته، وهو مشكوك فيه، فلا يثبت الحرمان بالشك الا فيما ورثه كل منهما من صاحبه، لأجل الضرورة، وهى أن توريث أحدهما من صاحبه يتوقف على الحكم بموت صاحبه قبله، فلا يتصور أن يرث صاحبه منه، لكن ما ثبت بالضرورة لا يتعدى عن محلها.
وفيما عدا ذلك من المال يتمسك فيه بالأصل، فان اليقين لا يزول بالشك.
فاذا غرق أخوان أكبر وأصغر وخلف كل منهما أما وبنتا ومولى، وترك كل منهما تسعين درهما.
فعندنا يقسم تركة كل واحد منهما فيعطى، لأم كل منهما سدس تركته، وهو خمسة عشر، ولبنت كل منهما النصف وهو خمسة وأربعون، ولمولاه ما بقى وهو ثلاثون.
وعند على وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما فى احدى الروايتين عنهما يحكم بموت الأكبر أولا، فتقسم تركته فللأم السدس وللبنت النصف، وللأصغر ما بقى، ثم يحكم بموت الأصغر فيقسم تركته كذلك، فقد بقى من تركة كل منهما ثلاثون وهو ما ورث كل منهما من صاحبه، فللأم من ذلك الباقى السدس، ولابنة كل منهما نصفه والباقى للمولى.
وجاء فى بدائع الصنائع (١): ان حال المفقود غير معلوم، يحتمل أنه حى، ويحتمل أنه ميت، وهذا يمنع التوارث والبينونة، لأنه ان كان حيا يرث أقاربه ولا يرثونه، ولا تبين امرأته، وان كان
(١) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج ٦ ص ١٩٦، ص ١٩٧ الطبعة السابقة.