للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اذ لا يكاد جرحان يتساويان من كل وجه، ولو احتمل التساوى لم يثبت الحكم، لأن الشرط‍ يعتبر العلم بوجوده ولا يكتفى باحتمال الوجود بل الجهل بوجوده كالعلم بعدمه فى انتفاء الحكم. ولأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت منه دون المائة، كما يحتمل أن يموت من الموضحة دون الآمة ومن غير الجائفة دون الجائفة، فكان حكم الجماعة كحكم الواحد، ألا ترى أنه لو قطعت أطرافه كلها فمات وجبت دية واحدة كما لو قطع طرفه فمات (١).

واذا اشترك ثلاثة فى قتل رجل فقطع أحدهم يده والآخر رجله وأوضحه الثالث فمات فللولى قتل جميعهم والعفو عنهم الى الدية فيأخذ من كل ثلثها، وله أن يعفو عن واحد فيأخذ منه ثلث الدية، ويقتل الآخرين، وله أن يعفو عن اثنين فيأخذ منهما ثلثى الدية ويقتل الثالث.

فان برئت جراحة أحدهم ومات من الجرحين الآخرين فله أن يقتص من الذى برئ جرحه بمثل جرحه ويقتل الآخرين، أو يأخذ منهما دية كاملة أو يقتل احدهما ويأخذ من الآخر نصف الدية، وله أن يعفو عن الذى برئ جرحه ويأخذ منه دية جرحه (٢).

واذا قتل الأب وغيره عمدا قتل من سوى الأب، لأنه شارك فى القتل العمد العدوان فيمن يقتل به غالبا لو انفرد بقتله فوجب عليه القصاص كشريك الأجنبى ..

فضلا عن أن فعل الأب يقتضى الايجاب، لكونه تمحض عمدا عدوانا والجناية به أعظم اثما وأكثر جرما قال تعالى:

(ولا تقتلوا أولادكم - ثم قال: ان قتلهم كان خطأ كبيرا) وجعل النبى صلّى الله عليه وسلم قتل الولد من أعظم الذنوب بعد الشرك .. فهو أولى بايجاب العقوبة والزجر عنه، وانما امتنع وجوب القصاص فى حق الأب لمعنى مختص بالمحل، لا لقصور فى السبب الموجب فلا يمتنع عمله فى المحل الذى لا مانع فيه (٣).

وكل شريكين امتنع القصاص فى حق أحدهما لمعنى فيه من غير قصور فى السبب، فالحكم فى وجوب القصاص على الآخر منهما كالحكم فى الأب وشريكه، مثل أن يشترك مسلم وذمى فى قتل عبد عمدا عدوانا، فان القصاص لا يجب على المسلم والحر، ويجب على الذمى والعبد اذا قلنا بوجوبه على شريك الأب، لأن امتناع القصاص عن المسلم لاسلامه، وعن الحر لحريته، وانتفاء مكافأة المقتول له، وهذا المعنى لا يتعدى الى فعله، ولا الى شريكه، فلم يسقط‍ القصاص عنه.

وقد نقل عبد الله بن أحمد قال:

سألت أبى رحمه الله عن حر وعبد قتلا


(١) المغنى ج ٩ ص ٣٦٧، ٣٦٨.
(٢) المغنى ج ٩ ص ٣٦٨، ٣٦٩.
(٣) المغنى ج ٩ ص ٣٧٣ - ٣٧٤.