الدين وامتناعه بدلالة أخرى. وحقيقة الدين كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر فى الذمة نسيئة، فان العين عند العرب ما كان حاضرا. والدين ما كان غائبا.
وقد قيل: ان الناس لما كانوا يتعاملون حتى لا يشذ أحد منهم عن المعاملة، وكان منهم من يكتب، ومنهم من لا يكتب أمر الله سبحانه وتعالى أن يكتب بينهم كاتب بالعدل .. والأمر ان كان بالكتابة، لأن المراد الكتابة والاشهاد، لأن الكتابة بغير شهود لا تكون حجة.
وقد ذهب بعض الناس الى أن كتب الديون واجب على أربابها فرض بهذه الآية بيعا كان أو قرضا لئلا يقع فيه نسيان أو جحود، وقد ذكر أن المراد الكتابة والاشهاد، لأن الكتابة بغير شهود لا تكون حجة. فحكم الاشهاد كحكم الكتابة.
والقول بالوجوب هو اختيار الطبرى.
وقال ابن جريج من ادان فليكتب ومن باع فليشهد.
وقال الشعبى: كانوا يرون أن قوله: «فان أمن بعضكم بعضا» ناسخ للأمر بالكتب. وحكى نحوه ابن جريج.
وقال الجمهور الأمر بالكتب ندب الى حفظ الأموال وازالة الريب.
قال بعضهم: أن أشهدت فحزم وان ائتمنت ففى حل وسعة .. وهذا هو القول الصحيح. وعلى هذا فلا نسخ فى الآية، لأن الله تعالى ندب الى الكتابة فيما للمرء أن يهبه ويتركه باجماع فندبه انما هو على جهة الحيطة للناس.
وقد اختلفوا فى وجوب الكتابة على الكاتب، والشهادة على الشاهد.
فقال الطبرى والربيع: واجب على الكاتب اذا أمر أن يكتب.
وقال الحسن ذلك واجب عليه فى الموضع الذى لا يقدر على كاتب غيره.
والصحيح أنه ليس بواجب والأمر للارشاد
وقد جعل الله الذى عليه الحق أربعة أصناف.
صنف سليم كامل الأهلية يمل بنفسه «فليملل الذى عليه الحق».
وثلاثة أصناف لا يملون بأنفسهم، وتقع نوازلهم فى كل زمن، ويترتب الحق لهم فى أحوال وجهات غير المعاملات كالمواريث اذا قسمت وغير ذلك، وهم السفيه، والضعيف، والذى لا يستطيع أن يمل.
«فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل».