وقوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ ١ مِنْ رِجالِكُمْ» الاستشهاد طلب الشهادة.
وأختلف الناس هل الاستشهاد فرض أو ندب والصحيح أنه ندب على ما يأتى بيانه.
فى قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ»}.
وقد رتب الله سبحانه الشهادة بحكمته فى الحقوق المالية والبدنية والحدود. وجعل فى كل حق شهيدين الا فى الزنا، ففيه جعل الشهادة فيه أربعة على ما بينه سبحانه وتعالى فى سورتى النساء والنور تشديدا على المدعى وسترا على العباد.
وقوله: «من رجالكم» - نص فى رفض الكفار والصبيان والنساء. ويتناول العبيد والعميان، لأنهم من رجال المؤمنين.
وقد اختلف العلماء فى جواز شهادة العبيد والعميان. وقوله «فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان» يدل على جواز شهادة المرأة مع رجلين ولو مع وجود الرجال. وهو رأى الجمهور.
وذهب بعض الى أن معناه: ان لم يوجد نصاب الشهادة من الرجال. تقبل شهادة المرأتين مع رجل. وهو ليس بظاهر.
وقد أجيزت شهادة النساء فى الأموال خاصة بهذه الآية اذ لم تذكر شهادتين فى غيرها بشرط أن يكون معها رجل.
لأن الأموال أكثر الله أسباب توثيقها، لكثرة جهات تحصيلها، وعموم البلوى بها وتكررها، فجعل فيها التوثق تارة بالكتابة، وتارة بالاشهاد، وتارة بالرهن، وتارة بالضمان.
وأدخل فى جميع ذلك شهادة النساء مع الرجال.
ولا يتوهم عاقل أن قوله تعالى «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» يشمل دين المهر مع البضع، أو دين الصلح عن دم العمد، فأن تلك الشهادة ليست شهادة على الدين، بل هى شهادة على النكاح.
وأجاز العلماء شهادتهن منفردات فيما لا يطلع عليه غيرهن للضرورة.
وعلى مثل ذلك أجيزت شهادة الصبيان فى الجراح فيما بينهم للضرورة. وكما جعل الله شهادة امرأتين بدل شهادة رجل وجب أن يكون حكمهما كحكمه.
فكما للمدعى أن يحلف مع الشاهد عند المالكية والشافعية، ويحكم له بشاهد ويمين، كذلك يجب أن يحلف مع شهادة امرأتين بمطلق هذه العوضية.
وهذا فى الأموال وما يتعلق بها دون حقوق الأبدان، للاجماع على ذلك من كل قائل بالقضاء بالشاهد واليمين. وذلك لأن حقوق الأموال أخفض من حقوق الأبدان بدليل قبول شهادة النساء فيها.
(١) الآية رقم ٢٨٢ من سورة البقرة.