وقوله «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» يدل على أن من الشهود من ليس موضع رضى.
فيؤخذ منه دليل على أن المسلمين ليسوا محمولين على العدالة حتى تثبت لهم فهى بمعنى زائد عن الاسلام.
وقال أبو حنيفة: كل مسلم ظاهر الاسلام مع السلامة من فسق ظاهر فهو عدل وان كان مجهول الحال.
وقد قال العلماء: العدالة هى الاعتدال فى الأحوال الدينية، وذلك، بأن يكون مجتنبا للكبائر، محافظا على مروءته وعلى ترك الصغائر، ظاهر الأمانة غير مغفل.
وقيل: صفاء السريرة واستقامة السيرة فى ظن المعدل. والمعنى متقارب.
والخلاف بين أبى حنيفة وغيره فى اعتبار العدالة معنى زائد عن الاسلام يشترط تحققه فى الشاهد لقبول شهادته يجرى فى الأموال والنكاح. فيجوز النكاح عنده بشهادة فاسقين.
وقوله تعالى «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» قال البعض أن هذا للوجوب، وهو يشمل طلب الشهود، لتحمل الشهادة وتحصيلها وطلبهم لأداء الشهادة عند القاضى.
وقيل: انما يشمل دعوة الشهود لأداء الشهادة عند القاضى. أما دعوتهم لتحمل الشهادة فليس واجبا عليهم اجابتها، اذ لا يترتب على الامتناع ضياع حق.
ويمكن أن يحمل الوجوب فى حالة التحمل على ما اذا حضر أصحاب الشأن عند الشهود، وطلبوا اليهم التحمل.
وذهب بعض الى أن الأمر محمول على الندب. فالمسلمون مندوبون الى معونة اخوانهم. فيشمل حالتى التحمل والأداء.
فاذا كانت الفسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطيل الحق فالمدعو مندوب. وله أن يتخلف لأدنى عذر. وان تخلف بلا عذر فلا اثم عليه ولا ثواب له.
واذا كانت الضرورة وخيف تعطل الحق أدنى خوف قوى الندب وقرب من الوجوب.
واذا علم أن الحق يذهب ويتلف بتأخر الشاهد عن الشهادة فواجب عليه القيام بها، ولا سيما اذا كانت محصلة وكان الدعاء الى أدائها فان هذا الظرف آكد، لأنها قلادة فى العنق وأمانة تقتضى الأداء.
وهذا كله فى حال الدعاء للشهادة.
فأما من كانت عنده شهادة لرجل لم يعلمها مستحقها الذى ينتفع بها. فقال قوم: أداؤها ندب، لأن الآية فى حالة الدعاء فاذا لم يدع كان ندبا. ولقوله عليه السّلام «خير الشهداء الذى يأتى بشهادته قبل أن يسألها».
والصحيح أن أداءها فرض وان لم يسألها اذا خاف ضياع الحق، أو كانت