للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وأنها لوصية الرجل وتركته .. فأمضى أبو موسى شهادتهما وقال: هذا أمر لم يكن بعد هذا الذى كان فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال آخرون أن معنى الشهادة فى قوله:

«شهادة بينكم» حضور الوصيين الوصية حين الوفاة من قولك شهدته اذا حضرته.

وقال آخرون انما الشهادة هنا ايمان الوصية بالله اذا ارتاب الورثة بهما وهو قول مجاهد.

والذى فعله أبو موسى يدل على أن المراد بها الشهادة على الوصية فى السفر التى تثبت بها عند الحكام، وأن هذا حكم ثابت غير منسوخ.

وروى مثله عن شريح.

وهو قول الثورى وابن أبى ليلى.

وهذا المعنى هو المتبادر من لفظ‍ الشهادة.

اذا أطلق كما فى قوله تعالى «وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» وقوله «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» وقوله «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» يفهم منها الشهادات على الحقوق.

وقوله (أو آخران من غيركم) معناه من غير ملتكم وليس من غير قبيلتكم كما ذهب البعض، لأن الخطاب فى الاية للمؤمنين ولم يجر ذكر للقبيلة حتى ترجع اليه الكناية.

والكناية انما ترجع الى مذكور فى الخطاب أو معلوم بدلالة الحال - فاقتضت الآية جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر.

وقد ورد فى تأويل الآية عن عبد الله ابن مسعود وأبى موسى وشريح وعكرمة وقتادة وجوه مختلفة.

وأشبهها بمعنى الآية ما روى عن ابن عباس قال: خرج رجل من بنى سهم مع تميم الدارى وعدى بن بداء فمات السهمى بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوصا بالذهب. فاحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجد الجام بمكة فقالوا اشتريناه من تميم وعدى فقام رجلان من أولياء السهمى فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم. قال نزلت فيهم «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ} فاحلفهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ندبا، لأن الورثة اتهموهما بأخذه ثم لما ادعيا أنهما اشتريا الجام من الميت استحلف الورثة وجعل القول قولهم وأخذوا الجام.

ويشير أبو موسى فى قوله فى حادثة الرجل الذى بدقوقا وقبوله شهادة الكتابيين على وصيته - هذا أمر لم يكن بعد الذى كان فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - يشير بذلك الى هذه القصة.

واختلفوا فى بقاء حكم جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر.